بين الألم والانكسار، وبين النهوض والإيمان، ترسم الفنانة نادين الراسي مسارًا إنسانيًا استثنائيًا، عنوانه التحوّل والقوة الداخلية. فمن محطات قاسية هزّت حياتها الشخصية والعائلية، إلى عودة فنية تحمل بصمة مختلفة، تحضر الراسي اليوم بصوتٍ صريح وتجربة ناضجة، تتجاوز فيها الجراح لتصنع من الألم بداية جديدة. وفي حديثٍ خاص لمنصة LebTalks، فتحت نادين الراسي قلبها، متوقفة عند أبرز الثورات التي شكّلت مفاصل أساسية في حياتها، وأعادت صياغة علاقتها بذاتها وبالفن وبالناس.
أقامت نادين الراسي في حياتها ثلاث ثورات: الأولى عندما أُبعد أولادها عنها، والثانية عند وفاة شقيقها الفنان جورج الراسي، أمّا الثالثة فهي الثورة التي أشعلت بركانًا جديدًا في حياتها.
في السياق، أشارت نادين الراسي لموقعنا إلى أنّ هذه الثورات الثلاث غيّرتها من الداخل، وصنعت منها نادين جديدة بقديمها وجديدها، بطيبتها وابتسامتها وإيمانها، وهو ما انعكس من الداخل إلى الخارج، كما يراه الناس اليوم.
أضافت: "هذه ثورة جديدة، لأن تلك الثورات كانت مؤلمة ومكلفة، وكأسها كان مُرًّا، أمّا اليوم فقد حان وقت الاحتفال. وكما يقول المثل اللبناني: التالتة ثابتة، فقد عدت اليوم إلى الفن، أي إلى عائلتي التي تربّيت فيها وعشت معها المرّ والحلو. وها أنا أعود من الباب العالي، من المسرح، في بداية ثورة سأبدأها من خلال مسرحية أنا وغيفارا، وسأكملها بثورة نادين الراسي. سأكون العِبرة، ولن أكون يومًا العُقدة، بكل أخطائي وحسناتي".
وعن سبب غيابها عن الفن، وردًّا على سؤال: لماذا، رغم غيابك عن الأضواء، يبقى اسمك حاضرًا ومتداولًا بقوة؟ أجابت الراسي قائلة: "حتى في مقابلات الفنانين والفنانات، يسألون عني، فأصبحت أنا موضوع البرنامج. ولكن الله يلي بحبّو، بحبّب خلقو فيه. عندما أبكي، تبكي البيوت، وعندما أفرح، تفرح معي البيوت. والباب الذي أقرعه يقول لي: فوتي نامي، فوتي كُلّي. أنا أحبّ الناس وأعاملهم كما أحب أن أُعامَل، وهذا نتيجة تعب وجهد 27 سنة. الحصاد يجب أن يكون بهذا الحجم أو أكثر، وأنا ما زلت أتأمّل أكثر".
وفي ردّها على الفنانة نوال كامل بعد حديثها عنها في مقابلة سابقة لموقعنا، قالت الراسي: "نوال هي الروح التي كنت أراها على التلفاز قبل امتهاني التمثيل. وعندما دخلت عالم الفن، كانوا يقولون لي: أنتِ نوال كامل الجديدة، بسبب الروح القوية والجسم والجمال. واليوم، بعد أن كنت أفرح بتشبيهي بها، هي تقول عني: نادين الطائر الفينيق، الحسّاسة، الطيبة، الحنونة".
أضافت: "في مجال التمثيل، لدينا قدّيسون وليس فقط أناسًا طيبين. فالله يكثر من أمثالك وأمثالي. وكلما قمت بأعمال خير، رزقك الله أكثر. نحن نعمل لنأكل، لا للوجاهة أو للعيش الفاخر".
ولفتت إلى أنّ ورد الخال، سيرين عبد النور، نوال كامل، رولا حمادة، كارمن لبس، ونادين الراسي وغيرهن كثيرات، لسنا ممثلات "هيرميس"، نحن جميلات وطوال، ولمن ينزعج من الطول نقول: يجب تثبيت المقاسات بشكل صحيح، وأن نرى المرآة كما هي لنرى الآخر بشكل صحيح.
وختمت بالقول إن هذه هي أول رسالة من نادين الثائرة لكل من يرغب بالانضمام إليها، كي نكون عبرة لبعضنا البعض لا عُقدًا، فنحن جميعًا نعيش الحياة للمرة الأولى، ولا أحد معصوم عن الخطأ، وهي أولهم.
أضافت: "تصالحوا مع أنفسكم، ولا شيء يستطيع أن يقترب من عائلاتكم، فقوة الله موجودة في قلوبنا جميعًا".
بهذه الروح الصادقة، تختصر نادين الراسي رحلتها بين السقوط والنهوض، مؤكدة أنّ التجارب القاسية ليست نهاية الطريق، بل بدايات جديدة لمن يملك الشجاعة على المواجهة. من المسرح تعلن ثورتها المقبلة، ومن الإيمان والصدق تستمد قوتها، حاملة رسالة تصالح مع الذات والآخر، وداعية إلى النظر إلى الإنسان بعمقه لا بمظهره. إنها نادين الراسي كما هي اليوم: امرأة اختبرت الألم، فحوّلته طاقة حياة، وقررت أن تكون العِبرة… لا العُقدة.