اذا كان لكل دولة منطقة اقتصادية خالصة اختصارها EEZ (Exclusive economie zone)، فإن المنطقة الاقتصادية الخاصة أو الخالصة التابعة للبنان تذخر بالثروات الطبيعية ومنها الغاز في أعماق البحر الذي قد يكون "الجاذب" الأساس لاقتراح إنشاء منطقة اقتصادية خالصة في جنوب لبنان تقرّها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وهي أي المنطقة التي تمتد على مسافة 200 ميل بحري أي نحو 22700 كلم٢ من ساحل الجنوب، علماً بأنه، وفق المسوحات التي أُجريت فقد قُسّمت المنطقة الساحلية الى عشر بلوكات منها البلوكات 8 و9 و10 قبالة ساحل الجنوب، مع الإشارة الى أن ثروة لبنان النفطية لا تزال ضمن إطار التوقعات وبالتالي لا يمكن البناء عليها للتداول بأرقام رسمية.
من حيث المبدأ، تملك الدولة اللبنانية ما يُعرف بـ"الحقوق السيادية الحصرية" لاستغلال الموارد الطبيعية ومنها النفط والغاز تحت قاع البحر، لكنها أي الدولة لا تملك سيطرة كاملة على المرور فيها إذ يمكن لدول أخرى أن تمر عبر هذه المنطقة لكن من دون استغلال مواردها، وهو ما أعلنته إسرائيل صراحةً عندما تحدثت عن حقها باجتياز هذه المنطقة اذا إرتأت ضرورة لذلك، مع بدء سريان الحديث عبر وسائل الإعلام عن اقتراح بإنشاء منطقة اقتصادية خالصة في الجنوب بإسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأمر الذي أثار حساسية مفرطة لدى ما يُعرف بمحور الممانعة ومن "لفَّ لفهم" من أتباع الداخل الذين اعتبروا أن إنشاء هذه المنطقة على الساحل الجنوبي هو نوع من الاحتلال المقنّع تحت مسمى الاستثمارات الأجنبية والعربية للموارد الطبيعية، لكن لماذا الإشارة الى تسمية المنطقة بإسم الرئيس ترامب؟
في الواقع، وخلال ولايته السابقة (2017-2021) كان لإدارة الرئيس ترامب دور مهم في تمهيد الطريق للمفاوضات حول إنشاء مثل هذه المنطقة، وقد لعب حينها مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفد شينكر دور الوسيط غير المباشر بين لبنان وإسرائيل للبدء بمحادثات حول ترسيم الحدود البحرية، وقد بدأت بالفعل في تشرين الأول من العام 2020 أي قبيل انتهاء ولاية ترامب حيث لم يتم التوصل الى اتفاق نهائي لتستكمل إدارة الرئيس جو بايدن الجهود التي تُوجت باتفاق في تشرين الأول 2022.
عودة الحديث عن اقتراح إنشاء منطقة اقتصادية خالصة يرسم علامات استفهام حول الهدف والتوقيت، اذ يعتبر بعض مشجعي هذا الاقتراح أنه يمكن إنهاء النزاع على الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل خصوصاً في البلوك 9 ما يفتح المجال أمام لبنان لبدء التنقيب عن ثروته من الغاز الطبيعي، فهل يتحوّل هذا الاقتراح الى مشروع استثماري بامتياز جاذب لمشاريع التنمية الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية أم أنه سيبقى اقتراحاً حُكي عنه خلال حلم ليلة صيف في بلد "الفرص الضائعة"؟!