فنّ التمويل تحت الأنقاض.. "الحزب" يدخل عالم الابتكار

7izb

في لبنان، فروع "القرض الحسن" انهارت تحت ضربات إسرائيل، ومع ذلك، بدا أن حزب الله يتعامل مع المشهد كأنه تجربة جديدة في مختبر التمويل. الدمار أمامه، لكنه يرفع كتفيه ويكمل الحسابات المالية، وطالما القرار يأتي من طهران، لا شيء يتوقف. إلا ان الرسالة واضحة، أي طريق لإعادة بناء الترسانة لن يمرّ من دون قصف، لكن "الحزب" لا يتراجع، بل يجرّب، يبحث عن وسيلة جديدة، منفذ جديد، كأنه يختبر حدود الهامش المالي في بلد منهار.

الضغوط لم تعد عسكرية فقط، بل مالية أيضاً، فطلب وفد وزارة الخزانة الأميركية في زيارته الأخيرة إلى بيروت إغلاق جمعية "القرض الحسن" لم يكن مستغرباً، بل جاء ضمن سياسة تشديد الخناق المالي على "الحزب"، مع منح الدولة اللبنانية مهلة 60 يوماً لتنفيذ القرار. هذه المهلة القصيرة كانت بمثابة إنذار رسمي، فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الحصار المالي، حيث لم يعد التعامل مع "الحزب" يقتصر على العقوبات، بل على تجفيف كل منفذ تمويلي متاح.

وسط هذا الخناق، بدأ "الحزب" البحث عن بدائل، دخل عالم المحافظ الإلكترونية، يختبر سرعتها وخفائها، حيث تتحرك الأموال بسرعة أكبر من أي محاسبة، وتختفي في شبكة شفرات وأرقام، كأن المال في لبنان أصبح لعبة بلا قواعد. لكن الرقميات لم تكن كافية، فانتقل إلى الذهب، خزّنه كملاذ آمن، ثم إلى العقارات، يشتريها ويكدّسها كأصول يمكن تحويلها إلى سيولة وقت الحاجة.

وتقول مصادر مطلعة لموقع LebTalks إن الوفد الأميركي الرفيع المستوى الذي زار بيروت أخيراً، قد عرض لملاحظات الإدارة الأميركية على ما تحقق من إجراءات حكومية من أجل حصر التعاملات المالية بالقطاع المصرفي وليس نقداً، بحيث كان التعميم الصادر عن وزير العدل عادل نصار الذي نظم عقود عمليات البيع والشراء لدى كتاب العدل، الإجراء الثاني الذي تبع تعاميم مصرف لبنان المركزي حول التعاملات المالية بالنسبة لشركات تحويل الأعمال.

وتكشف هذه المصادر عن أنه بعد تغيير النظام في سوريا، باتت طرق الإمداد بالمال من إيران إلى لبنان عبر  الأراضي السورية مقطوعة، ما دفع نحو وسائل وطرق إمداد جديدة عبر البحر والجو أو عبر تحويل الأموال من عواصم إقليمية وفق طرق مختلفة في التحويل.

وتوضح المصادر أنه بما أن لبنان لم يرخص التعاملات بالعملات الرقمية، فإن الأموال تصل عبر عملات رقمية إلى عاصمتين في المنطقة تسمحان التداول بها، حيث يتم في هاتين العاصمتين التحويل إلى دولار ثم يتم تحويل الدولارات إلى شخصيات قريبة من الحزب في بيروت.

بالتوازي، لا يمكن إغفال الرقابة المعتمدة  في المصارف والقيود التي وضعتها إداراتها على أي عمليات قد يقوم أشخاص مشمولون بالعقوبات الدولية، ما دفع هؤلاء إلى البحث عن بدائل سواء عبر قطاعات العقارات أو الذهب أو التأمين، ما استدعى تشديد الرقابة خلال الأسابيع الماضية على هذه القطاعات لمنع أي عمليات بكميات كبيرة من الدولارات الكاش، والتي تخفي محاولات لتبييض الأموال أو تمويل الإرهاب.

المفارقة الساخرة أن هذه المناورات تجري تحت رقابة دولية مشددة، مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي "OFAC" يراقب، يتتبع كل تحويلة مالية، كل سوق ذهب، كل عقار يباع. وكأن كل حركة مالية لـ"الحزب" على مرأى الجميع، فيما الرقابة المحلية بالكاد تتحرك، والخطوط الحمراء موجودة على الورق فقط، لكنها لم تمنع التجارب، بل جعلت منها أكثر جرأة.

وإذا دققنا في التفاصيل، نرى سخرية الواقع كاملة، العملات الرقمية تمنح "الحزب" سرعة وخفاء، الذهب يعطيه استقراراً زائفاً، العقارات واجهات قانونية يمكن التلاعب بها، وحتى المغتربون من هذه الطائفة قد يصبحوا جزءاً من هذه الشبكة المالية، ليس لدعم الاقتصاد اللبناني، بل لتمويل الخزينة العسكرية. التجريب لا يتوقف، بل يتوسع، وكل وسيلة تستعمل لتغذية المشروع المالي والعسكري، على حساب الدولة والمواطن.

فالمواطن يراقب من بعيد، يشاهد هذا المختبر المالي المفتوح وكأن لبنان أصبح ساحة تجارب بين المال والسلاح، الاقتصاد يستنزف، القوانين الدولية تلاحق، و"الحزب" يحوّل كل أزمة إلى فرصة اختبار جديدة. فما يجري ليس مجرد تمويل، بل فن في التجريب المالي، تحويل الكوارث إلى سيولة، والأزمات إلى أدوات بقاء، بينما الدولة والمواطن يدفعان الثمن.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: