في لبنان لا تسير السيارات وحدها بعكس الاتجاه، بل تسير معها قوانين الدولة. في قلب الطرقات، تتكاثر السيارات العمومية التي تعمل بلا ترخيص، وباستخدام لوحات مزوّرة، في ظاهرة تضرب هيبة القانون، وتخنق آخر ما تبقّى من النقل الشرعي.
بحسب تقديرات غير رسمية، "تجوب الشوارع نحو 20 ألف سيارة تاكسي تحمل لوحات مزوّرة، إلى جانب 15 ألف باص و15 ألف فان تعمل خارج إطار القانون، هذا فضلاً عن 10 آلاف لوحة مؤجّرة للسيارات و10 آلاف للفانات و3 آلاف للباصات، غالباً بأسماء لبنانيين وتُستخدم من قبل غيرهم، أحياناً بطريقة تجارية غير قانونية".
الأرقام تكشف حجم الأزمة التي تحوّلت إلى قنبلة موقوتة تهدّد سلامة الركاب والمنافسة العادلة في قطاع النقل.
مصادر في وزارة الداخلية كشفت لموقع LebTalks عن أن "التزوير يحصل عبر طباعة لوحات مطابقة لأرقام أصلية أو التلاعب بالرخص القديمة، ما يصعّب مهمة الرصد والملاحقة القانونية". وأشارت إلى أن "الرقابة موجودة، لكن العمل يتمّ بإمكانات محدودة ومن دون قاعدة بيانات موحّدة ومتكاملة، ما يعقّد ضبط الحالات ويترك المجال واسعاً أمام المخالفين".
في السياق نفسه، يوضح مكتب قانوني مختصّ بشؤون السير لـ"LebTalks" أن "استخدام لوحة مزوّرة يُعد جنحة جزائية تصل عقوبتها إلى ٣ سنوات سجن وغرامات مالية، بالإضافة إلى مصادرة المركبة".
وأشار المكتب الى أن "الراكب لا يتحمّل المسؤولية القانونية، لكنّه قد يخسر حقوق التأمين في حال وقوع حادث مع مركبة غير قانونية".
وأفاد بأن "تأجير اللوحات مسموح فقط بعقود رسمية موثقة، أما السوق السوداء فمخالفة صريحة تعرض الجميع للملاحقة".
ورأى أن "الحلّ الأمثل يكمن في تشديد الرقابة، إلغاء التراخيص العشوائية، وإنشاء سجلات إلكترونية موحّدة، إلى جانب دعم السائقين الشرعيين".
وفي الشارع، يعاني سائقو التاكسي الشرعي من واقع مرير، إذ يؤكد أبو سامي، سائق منذ أكثر من ٢٠ عاماً، أن "المنافسة مع اللوحات المزورة أصبحت تهدد مصيرهم اليومي"، قائلاً: "أنا دفعت آلاف الدولارات لأمتلك لوحة شرعية، واليوم أجد نفسي أمام من يشغل سيارة بلوحة مزورة بثمن زهيد. الركاب يفضلون الأرخص، رغم أن الأمن والسلامة مهدّدة".
يضيف أحد السائقين في بيروت: "التاكسي اليوم أصبح مهنة محفوفة بالمخاطر. نزول الأسعار بسبب التنافس غير العادل، زاد من استنزافنا مادياً ونفسياً".
وفي ظل غياب التنظيم وتفشي الفوضى، لم تعد الطرقات ملكاً للدولة، بل تحولت إلى ساحة صراع محتدم، يدفع ثمنه أصحاب القانون والمواطنون على حدّ سوا.