كتب مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية:
في ضوء تطورات التصعيد العسكري المتبادل بين إسرائيل وإيران جاءت التصريحات الصادرة عن رئيس هيئة الإعلام والاتصالات، نوفل أبو رغيف، والتي توعّد فيها بملاحقة قانونية لكل من يروّج للكيان الصهيوني على وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا التصريح أثار اهتمام الكثير من الدوائر العراقية التي اعتبرت أنه يعتبر مؤشراً دالاً على حجم التأثير الإيراني على القرار العراقي.
بالطبع هناك من زعم ان هذا التصريح أيضاً هو نتيجة طبيعية لتحرك الدولة ومواجهتها لأي محاولة أختراق تقوم بها الأقلام المريبة للصحف والاعلام العراقي.
غير ان هذا التهديد الرسمي يمثل وبالفعل تحولًا في طبيعة الخطاب العراقي الداخلي، حيث أصبحت أي محاولة لطرح رأي مختلف أو متوازن تجاه ما يجري في أي قضية تتعلق بإيران يواجه تهديداً، بالطبع فإن أرث الكراهية العربي إزاء إسرائيل موجود ودفع بالكثير من الشعوب العربية لتأييد ايران، غير أن الطرح العراقي لتجريم السياسات الإيرانية ووصف كل ما يقوم بها بأنه مروج للتطبيع أو منتهك للقانون يعتبر أمراً لافتاً.
وفي هذا السياق قالت مصادر عراقية إعلامية إن هذا التوجه يمكن ان يعكس تضاؤل هامش التعبير الحر داخل العراق، ويعزّز من دور الميليشيات والجماعات الموالية لطهران في ضبط المشهد الإعلامي والسياسي المحلي.
تؤكد الشواهد أن العراق الرسمي أصبح يعتبر أي موقف يخالف رواية المحور الإيراني تهديدًا للأمن الوطني، وهو ما يجعل من أي كاتب أو إعلامي يتناول الأحداث من منظور مختلف هدفًا للانتقاد وربما للمساءلة القانونية. الأمر الذي يعمّق من الانقسام الداخلي ويعيق التوازن في التعاطي مع قضايا إقليمية بهذا الحجم والخطورة.
وفي جانب ميداني موازي، كشفت التطورات السياسية في العراق عن سعي التيار الصدري إلى تعزيز حضوره الشعبي والرمزي عبر نصب مواكب دعم للحجاج العراقيين والإيرانيين عند منفذ عرعر الحدودي، في استجابة مباشرة لدعوة زعيمه مقتدى الصدر، ما يوضح حجم التفاعل الشعبي والسياسي مع إيران حتى في ظل أزمة إغلاق المجال الجوي وتأثيرات الحرب.
عموماً فإن هذا الموقف العراقي المتماهي مع الموقف الإيراني لا يعكس بالضرورة إرادة الدولة، بل يدل على تغوّل قوى الأمر الواقع في التحكم بالمشهد، وربما يمثل أنذار يتعلق بغياب سياسة خارجية عراقية متوازنة.
على آي حال فإن المهم الآن هو إعادة تقييم الخطاب الإعلامي الرسمي، وضرورة تحييد المؤسسات الرقابية عن أي اصطفاف سياسي، وتكريس حرية التعبير بما يخدم الاستقرار الداخلي ويحفظ استقلال القرار العراقي عن التأثيرات الخارجية.