كتبت صونيا رزق:
يلفتنا دائماً الامين العام لحزب الله نعيم قاسم بخطاباته التي يتأرجح ضمنها بين القبول والرفض والايجابية والسلبية، فتارة يشكر الدولة اللبنانية على تعاونها، وطوراً ينقلب عليها ويخوّنها وكأنه يريد السير على خط العصا والجزرة، رافعاً كل انواع التحدّيات في الداخل والخارج، من اجل معنويات الحزب الاصفر وبيئته التي لم تعد تدري ماذا تفعل وسط السقطات المتتالية، وبالتالي لم تعد تفهم على الحزب وأمنيه العام الذي يستعين دائماً بمفردات جديدة،علّه يأخذ قطرات من "الكاريزما" التي يفتقدها، لذا أطلق في الامس خطاباً حمل في طياته كل انواع التخوين لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، فأثار الدهشة والغرابة ولم يسلم أحد من مسؤولي الدولة من "لطشاته"، بعدما وجّه إتهامات الى لبنان الرسمي بتنفيذ المشروع الإسرائيلي – الأميركي، متناسياً انه ينتمي الى هذه الدولة عبر وزرائه ونوابه الذين بصموا على حصرية السلاح بيد الدولة مرتين على الاقل، خلال خطاب القسم والبيان الوزاري، لذا فالمطلوب اولاً ان يرد احد اركان السلطة على تلك الاتهامات كي تحفظ كرامة لبنان اولاً واخيراً، مع الامل ان يكون ذلك الردّ مناسباً جداً ويليق بحجم الاتهامات التي وجهّها قاسم الى اركان الدولة.
الى ذلك بدت نبرة قاسم قوية وصارخة على غرار ما كان يقوم به السيّد حسن نصرالله أثناء خطاباته، وكأنه يريد ان يطلق رسالة بأنّ يد الحزب أصبحت من جديد على الزناد، هكذا كانت وهكذا ستبقى بحسب امنياته، لكن في الداخل وليس في الخارج لإخافة اللبنانيين، متناسياً او محاولاً التناسي بأنّ الزمن الماضي قد ولّى الى غير رجعة، حتى انّ هدفه برفع معنويات البيئة لم يعد ينفع، ولا التذكير بأنهم باقون ضمن محور المقاومة وسلاحها بعدما أثبتوا انتصارهم "الوهمي" الذي صدّقوه بعد تكراره الاف المرّات، وبأنّ الحزب موجود وقوي واليوم دخل في مرحلة جديدة تختلف أدواتها وأساليبها، لكن من يُصدّق اليوم كل تلك الاوهام؟!
في السياق حاول قاسم التذاكي كالعادة على الدولة وحشرها، رافضاً التطرّق بأي كلمة الى سحب السلاح من شمال الليطاني، حيث ينتشر السلاح الثقيل اكثر بكثير من جنوبه، لذا أراد ضرب عصفوريْن بحجر واحد، كردّ معنوي على مَن يعتبر انّ حزبه إنتهى، بالتزامن مع لقاء ترامب – نتنياهو الذي يعقد اليوم في فلوريدا، فأراد إفهام الجميع بأنه وافق على طلب إسرائيل وقف إطلاق النار من منطلق استراتيجي، وهم كحزب التزموا بالاتفاق لكن إسرائيل لم تلتزم به، واضعاً المسؤولية على عاتق الدولة اللبنانية، التي لم يستشِرها حزبه حين قرّر شنّ الحرب.
انطلاقًا من هنا تبدو قيادة حزب الله في ضياع متواصل ومرشح للتفاقم، الى حين الاعتراف بالواقع العسكري الجديد الذي قلبَ وضعه رأساً على عقب، لأنه يرفض تقبّل ما جرى من تغيّرات، مع الإشارة الى انّ المسؤولية تقع على عاتق الأخ الأكبر نبيه برّي، الذي وافق على الشروط الاسرائيلية بصفته ممثلًا لحزب الله، لذا باتت مناورة الحزب صفته الخاصة، لكسب المزيد من الوقت بعدما أقفل كل الطرق أمامه.