كتب جورج أبو صعب:
لم يكن ما حصل بالأمس في الضاحية الجنوبية من هجوم إسرائيلي جديد وقصف سوى إنذار إسرائيلي للدولة اللبنانية وقد أكد وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية إطلاق صواريخ من الجنوب باتجاه شمال إسرائيل منذ يومين فيما الدولة اللبنانية التزمت الصمت ولم تبادر إلى أي ردّ على كاتس كما أنها تأخرت في إطلاق التحقيقات من خلال الجيش اللبناني .
إن ما حصل في الضاحية الجنوبية وبكل صراحة ومحبة تتحمل الدولة اللبنانية جزءاً أساسياً منه وذلك بسبب المماطلة المتعمدة من جانبها في تكليف الجيش اللبناني تنفيذ القرار ١٧٠١ واتفاق وقف النار تاريخ ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٤ .
فما لا نفهمه لماذا لا يزال غبار وإبهام حول تنفيذ القرار الاممي المذكور واتفاق وقف النار؟، حتى الآن الجيش اللبناني لم ينتشر في جنوب الليطاني والجنوب اللبناني كاملاً، وحتى الآن لم يبادر الجيش اللبناني والقوات المسلحة الشرعية في نزع السلاح غير الشرعي شمال الليطاني.
وحتى الآن لم تبادر الدولة إلى ترجمة خطاب القسم والبيان الوزاري في بنودهما السيادية ولا سيما احتكار الدولة للسلاح على كامل التراب الوطني وحل الميليشيات المسلحة غير الشرعية إنفاذاً لاتفاق الطائف .
ماذا تنتظر الدولة اللبنانية بعد للبدء في تنفيذ هذا البند وهي تعلم من رئيس الجمهورية العماد جوزف عون إلى رئيس الحكومة نواف سلام وصولاً إلى كامل وزراء الحكومة ان بند السلاح اولوية الاولويات لدى واشنطن والأوروبيين والمانحين لمد لبنان بالمشاريع والاموال والنهوض بالاقتصاد ومع ذلك نرى الدولة اللبنانية تتغاضى عن هذا البند الاساسي والذي دونه لن يكون لا انماء ولا اعمار ولا نهوض ولا إنقاذ …
المؤسف ان كل الرسائل والبيانات ولا سيما تصاريح وبيانات المسؤولين الاميركيين وآخرهم تصريح وزارة الخارجية التي تتوقع من الجيش اللبناني معالجة مسألة السلاح غير الشرعي وقبله رسالة الرئيس الاميركي دونالد ترامب لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة كلها لم تحرك الدولة اللبنانية ما حدى وسيحدو بإسرائيل لاستخدام حق منحته اياها الدولة اللبنانية في اتفاق وقف النار بالتدخل العسكري وتنفيذ عمليات عسكرية كلما شعرت بتهديد لأمنها وها هي تعود في المشهد التدميري بعد اشهر على اتفاق وقف النار .
من هنا فإن مماطلة الدولة اللبنانية في تنفيذ القرار ١٧٠١ والالتزام الكامل بتنفيذ مندرجات اتفاق وقف النار هي من الاسباب المباشرة والاساسية التي تقف وراء عودة الحرب الاسرائيلية على لبنان فيما بالامكان تفادي ذلك عبر التزام عملاني من الدولة اللبنانية في تنفيذ ما التزمت به .
وفي هذا السياق لم يعد مقبولاً التعاطي مع سلاح حزب الله على أنه سلاح طائفة، فالطائفة الشيعية الكريمة هي التي نكبت من قبل حزب الله والطائفة الشيعية الكريمة هي التي اختطفها حزب الله وحولها وقوداً لمشاريعه ومغامراته الحربية الفاشلة وبالتالي ان كان من كسر الطائفة فهو الحزب وهو الفاعل لا المفعول به كي تستمر الدولة في مدارات جوانبه وتدوير الزوايا والتعاطي معه بمياعة غير مجدية: فمن كان في الدولة من ينتظر ان يأتيه حزب الله صاغراً لتسليمه سلاحه طوعياً فهو لا يفقه شيء لا من السياسة ولا من العمل الوطني .
على الدولة اللبنانية والرئاستين الاولى والثالثة ومن خلالهما الحكومة اخذ المبادرة الحاسمة والجازمة بنزع السلاح غير الشرعي وفي طليعته سباح حزب الله والتوقف عن تجنب الخوض في هذا الملف والتصدي له إلا إذا كانت المعادلة لدى البعض تفضل ان تتدخل إسرائيل لإنجاز هذه المهمة ولو بتدمير كبير بدل الدولة اللبنانية بقواها الشرعية وعلى رأسها الجيش اللبناني القادر على نزع السلاح بمجرد اعطائه الأمر السياسي تجنباً للصدام الداخلي والذي لن يقوى الحزب لا على افتعاله ولا على الذهاب بعيداً فيه .
ثمة ظاهرة لدى بعض الطبقة السياسية ومنها بعض من في السلطة تكاد تشبه الخوف من التصدي لسلاح الحزب فتردد هؤلاء هو الذي يقوي الحزب لا الحقيقة الميدانية التي اثبتت فشله فشلاً ذريعاً.
الحزب قوي في مخيلة البعض وفي ضعف البعض الاخر عن مواجهته.. وفي تلكؤ البعض في تنفيذ الوعود والالتزامات .
انه زمن عدم التساهل وعدم المناورة انه زمن دونالد ترامب في المنطقة كما في العالم فعلى الدولة اللبنانية وانطلاقاً من الاجواء التفاؤلية التي خلفتها التطورات الداخلية الأخيرة منذ شهرين حتى الآن وتحقق الاستحقاقات النوعية، لا بد من الدولة وانطلاقاً من تربص إسرائيل بنا وامتلاكها كل الأوراق التي تسمح لها بالتدخل العسكري في اي وقت وعلى اي نطاق وبالنوعية المطلوبة .
فقبل ان تصبح الدولة المتهمة في التسبب بعودة الحرب الاسرائيلية على لبنان لا بد من تحرك للدولة يضع على نار حامية وعاجلة مسألتي تطبيق القرار ١٧٠١ والالتزام بتطبيق الشق اللبناني من اتفاق وقف النار ولا داعي أبداً لنفي ضلوع الحزب في إطلاق الصواريخ منذ أيام لأن الحقيقة باتت أوضح من وضوح الشمس ولا داعي لاستنكار ما حصل لأن الدولة لا تستنكر بل تفعل وتضرب بيد من حديد داخلياً لمنع اي ذريعة لإسرائيل وقبل أن يصبح أفيخاي ادرعي المرشد الأعلى لدولة لبنانية خانعة .