في لحظة سياسية مفصلية تشبه الاقتراب من حافة هاوية تاريخية، وجه عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي رسالة غير مسبوقة إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، بدت أشبه بإنذار نهائي يحمل نبرة جزمية، نزع سلاح حزب الله الآن ولو بالقوة.
جاءت الرسالة بصياغة لا تحتمل التأويل، باعتبار أن العام الذي أعقب وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024 لم يشهد أي التزام لبناني فعلي بمسار تفكيك البنية العسكرية للحزب، ولا أي خطوة تعيد سلطة الدولة إلى كامل أراضيها. تحول الزمن الضائع إلى فرصة ذهبية مكنت الحزب من إعادة التموضع، إعادة التسلح، وترميم منظومته العملياتية جنوب الليطاني في المنطقة التي يفترض أن تكون بموجب القرار 1701 محرّمة على أي نشاط مسلّح خارج إطار الدولة.
تكشف الرسالة الأميركية أن ما تعتبره واشنطن "تسويفاً بنيوياً" من الدولة اللبنانية، أتاح للحزق ترسيخ دور يتخطى الحدود السيادية، ويجعل من لبنان بلداً معلقاً بين حرب وشيكة وواقع داخلي مفكك.
فالجنوب، الذي كان وقف إطلاق النار فرصة لالتقاط أنفاسه، يشهد نزيفاً اجتماعياً مستمراً، عائلات مهجرة، بلدات بلا أمان، وبيئة بشرية تعيش بين نيران الحزب واشتباكات الردع الإسرائيلية.
في هذا السياق، لا ترى واشنطن إمكانية لقيام أي نهضة اقتصادية أو إصلاحية في ظل وجود قوة مسلحة موازية تمسك بقرار الحرب والسلم، وتستخدم المدنيين دروعاً بشرية، فيما الجيش اللبناني يقف على هامش معادلة يفترض أنه ركنها الأساسي.
وبحسب مصدر سياسي قواتي رفيع يتحدث لموقع LebTalks، تقف بيروت اليوم أمام معادلة وجودية لا مساحة رمادية فيه، إما أن تنزع الدولة سلاح حزب الله بقرار سيادي واضح، وإما أن الولايات المتحدة ستمنح إسرائيل التفويض الكامل لإنجاز المهمة عسكرياً.
يؤكد المصدر أن الضوء الأخضر الأميركي لاسرائيل معطى أصلاً، وأن الرسالة إلى السلطات اللبنانية جاءت كآخر محاولة لإعطاء الدولة فرصة التحرك قبل أن تتولى تل أبيب تنفيذ ما تعتبره واشنطن "ضرورة استراتيجية" لنزع السلاح، حماية للاستقرار الإقليمي ومنع سقوط لبنان نهائياً تحت هيمنة محور طهران.
ويضيف أن إصرار الكونغرس ليس تكتيكاً ضغطياً عابراً بل توجه ثابتاً يعكس قراراً أميركياً مبرماً بأن بقاء السلاح خارج الدولة لم يعد مقبولاً وأن التخلص منه يعد مصلحة لبنانية قبل أن يكون مطلباً دولياً، لما يشكله من عبء سيادي واقتصادي وأمني خانق.
هذا التحذير الأميركي، وفق المصدر نفسه، ليس سوى المؤشر الأول على مرحلة أكثر تصعيداً، فإذا فشلت اللجنة الأمنية آلية "الميكانيزم" في تكريس تطبيق فعلي للقرار 1701، فإن المرحلة التالية لن تكون سياسية بل ميدانية.
وفي هذا الإطار، تأتي إعادة إدراج السفير السابق سيمون كرم في آلية التفاوض كخطوة لبنانية تحاول القول إن الدولة مستعدة لركوب موجة إعادة هيكلة المنطقة أمنياً، ورسالة بأنها لن تقف خارج الاصطفاف الدولي الساعي لضبط الحدود الجنوبية ووضع السلاح تحت سلطة الدولة، لكن واشنطن، كما يردد المصدر، تملك مطلباً واحداً لا ثاني له، لا استقرار، لا إصلاح، ولا تعاف اقتصادي من دون نزع سلاح الحزب.
وهكذا يجد لبنان نفسه اليوم أمام سؤال جذري لا يمكن التهرب منه: هل تتخذ الدولة قرارها السيادي أخيراً، أم تترك الساحة مفتوحة لسيناريو أكثر قسوة تنفذه إسرائيل بتفويض أميركي صريح؟