أنطوان سلمون
في أوج الازمات وتصاعد الخروقات والانكشافات والضربات الأمنية العسكرية الدموية التي تصيب محور الممانعة من ايران مروراً باليمن والعراق وسوريا ولبنان وصولاً الى الضفة الغربية وغزة، طفت على الساحات الاقليمية والمنابر الدولية التصاريح الايرانية وطغت على ما يجري من تطورات وخصوصاً على الساحة اللبنانية والتي قد تؤدي الى عكس مضمون التصريحات والتوجهات الايرانية وقد تنعكس وبالاً وتهديداً وجودياً على لبنان وشعبه ومقاومته الاسلامية ذراع ايران المدلل في لبنان والمنطقة والعالم العربي والاسلامي.
خارج سياق الاحداث والتهديدات والنتائج الكارثية التي دفعتها وتدفعها الساحات الواقعة تحت الرعاية والنفوذ الايراني وخاصة بعد الضربات المباشرة التي تلقاها الحزب في ثلاثة ايام والتي اوقعت الالاف من صفوفه وكوادره العليا وقيادييه بين قتيل وجريح، ممهدة للتدمير والقتل الممنهج التي تعتمده اسرائيل اليوم على كامل مساحة الـ10452 كلم مربع من الاراضي اللبنانية، أتى تصريحا رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران مسعود بزشكيان ووزير خارجيته عباس عرقجي ومن نيويورك تحديداً كمن سكب ماء شديدة البرودة على جسم الممانعة المتعري من كل حجج وذرائع وحدة الساحات والاسناد والطوفان ومعارك الحسابات المفتوحة والردود في الامكنة والازمنة المناسبة.
ان ما قاله رأس النظام الايراني على ابواب الحرب الثالثة التي قد تشنها اسرائيل على لبنان عن “أن السلام والأمن يجب أن يحلا محل الحرب وسفك الدماء في العالم، وعن ان إيران ليست كما تظهرها بعض وسائل الإعلام، ونحن مستعدون للعيش بسلام وأمن مع الجميع في العالم”، وما اكده وزير خارجيته عن أن بلاده مستعدة لبدء مفاوضات نووية اذا كانت الأطراف الأخرى راغبة في ذلك وتأكيده بـ”سنركز جهودنا على بدء جولة جديدة من المحادثات حول الاتفاق النووي”، أملاهما مصلحة النظام الايراني اولا من خلال قبض أثمان ادائها المذكور في المنطقة، ولو كان المردود سلبياً على الدول والقوى الممانعة من حلفاء واذرع واتباع، وهذا ما سبق ان كشفه وزير الخارجية الايراني بالانابة علي باقري كني، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع مستشار الأمن القومي العراقي عن ان “خلافات أميركا مع إيران ترجع للحصة التي خصصوها لنا، نحن لم نقبل بذلك، ونسعى للحصول على حصتنا في المنطقة”.
ان شعور اذرع ايران – وخصوصاً حزبها في لبنان – بالخيبة وتلبسها دور “الزوج المخدوع” من الدولة الراعية الوليّة هو مشروع وله ما يبرره خصوصاً مع استمرار وصل ما لم ينقطع يوما من شعرة معاوية بين الغرب المتغطرس وعلى رأسه “امريكا” والجمهورية الاسلامية في ايران عبر محادثات سرية في مسقط العمانية عرف بها الجميع واعلنت عنها الوسائل الاعلامية كافة.
ان شعور “الزوج المخدوع” الذي يحس به الحزب على ابواب الحرب الثالثة ويتوجس من جرائه سبق ان احسّ به سابقاً في اوج حربه الثانية في تموز 2006 من وليّ وراع آخر ما زال يعتبره الحزب داعماً أساسياً للمقاومة هو نظام بشار الاسد اذ اكدت المعلومات يومها ان “مفاوضاتٍ سورية – اسرائيلية للسلام” كانت بدأت في ايلول 2004 ولم توقفها حرب تموز 2006, وخاض المفاوضات عن الجانب السوري رجل الأعمال الأميركي السوري ابراهيم أديب سليمان، وعن الجانب الإسرائيلي المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية الون ليل… وقد أشار سليمان في 12 نيسان من العام 2007 لدى زيارته إسرائيل، الى أن “الدولة العبرية وسوريا تستطيعان التوصل الى اتفاق سلام في غضون ستة أشهر”، والأهم بما كشفه ابراهيم عن أن “الرئيس السوري بشار الأسد رفض فتح جبهة مع إسرائيل خلال حرب لبنان الثانية (تموز 2006) كما طلب منه مسؤولون لبنانيون وسوريون”.
ان ما ورد أعلاه معطوفاً على ما قاله الرئيس الايراني الراحل حسن روحاني في 19 ايلول 2015 عن ان: “الموت لأمريكا” هو مجرّد شعار”، ومعطوفاً على ما قاله مرشد الثورة الاسلامية الامام علي خامنئي في 9 ايلول 2024 عن ان “لاضير في التراجع التكتيكي أمام العدو والتراجع قد يكون في الميدانين العسكري أو السياسي”، يؤكد هواجس ويبرر ارتياب وتوجس التابعين لايران كما انه “يشرّع” القراءات والتحليلات والسيناريوهات التي تتحدث عن تآمر وتواطؤ في “اسقاط” او “بيع” او “تبادل” لورقة “المقاومات” في المنطقة.