بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، عاد الجدل القديم الجديد حول اتهام العرب وبعض دول الخليج بعدم دعم حماس والجهاد الإسلامي، ما برّرَ لهما الارتماء في أحضان إيران التي ساعدتهما ودعمتهما.
ماذا لو قُتِل إسماعيل هنية في دولة عربية؟
ربَّ سائلٍ: هل أدانت حماس قصف الحوثي للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات ومدن مكّة ونجران وأبو ظبي ودبي؟ أم أن حماس كانت ترسلُ مندوبيها الى صنعاء لمباركة أعمال الحوثيين ؟
وربَّ سائل آخر: لو قُتِل إسماعيل هنية في دولة عربية ماذا كانت ستكون ردة فعل حماس؟ أليس الاتهام والشتم والسُباب والتهجّم على تلك الدولة؟
طبعاً هذا الموضوع لطالما شكّلَ مادة نقاشٍ كبيرٍ لا بل صراعٍ سياسي وإعلامي متواصل منذ العام 2015 في الشارع العربي وضمن الرأي العام الإسلامي والعربي، أي منذ العام الذي تقاتلَ فيه الفلسطينيون في قطاع غزّة، وطردت حماس السلطة الفلسطينية من القطاع وانقسم الشعب الفلسطيني بين ضفة غربية وقطاع غزّة .
* تجرّؤ صدام حسين على إسرائيل كلّفه حياته ونظامه!
لسنا هنا في موضع الدفاع عن الدول العربية، فلديها القدرات والإمكانات والوسائل الكافية لتوضيح مواقفها إنما لا بدَّ من الإشارة والتذكير بأن الدول العربية دعمت الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها العام 1965 وحتى يومنا هذا، ويكفي التذكير بالحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل حيث كانت المواجهات بينها وبين الجيش الإسرائيلي ب”اللحم الحي” كما يُقال وليس كما هي اليوم بالصواريخ والمُسيّرات والألعاب النارية …
الدول العربية واجهت إسرائيل عسكرياً بصورةٍ مباشرةٍ بينما إيران لم تواجه إسرائيل ولم تقاتلها مباشرة بل بالواسطة …
ومن باب الإنصاف التاريخي، دعونا نذكر بأن الرئيس العراقي السابق صدام حسن قصفَ بصواريخه إسرائيل وألحقَ دماراً بالمؤسسات الإسرائيلية والأمن الإسرائيلي وقتل إسرائيليين، بينما إيران وحتى أثناء الهجوم الصاروخي “الفولكلوري” في نيسان الماضي جرحت مجنّدةً واحدةً في النقب … وتسبّبت ببعض الأضرار في مدرجات قاعدة عسكرية …وربما شجاعةُ صدام حسين هذه وتجرّؤه على إسرائيل كلّفاه حياته ونهاية نظامه من قبل الحلف الأميركي- البريطاني- الإسرائيلي .
على صعيد آخر، يجب أن لا تغيب عن بالنا سلسلةٌ من الحقائق التي نوجز أبرزها على الشكل الآتي :
أولاً : لطالما كان ثمة تحالفٌ تاريخي بين الأخوان المسلمين، الذين تمثّلهم حماس في فسلطين، مع إيران يعود الى أكثر من 75 عاماً أي قبل نكبة فلسطين، وقد توطّدت تلك العلاقة التحالفية برعاية بريطانيا، وهو نفسه هذا الغرب الذي أنشأ ملالي إيران وتنظيم الإخوان .
ثانياً : التنظيم العالمي للإخوان المسلمين لطالما استهدفَ من ضمن أجندته السياسية، الأنظمة العربية بدعم غربي واضح ( أميركي – بريطاني – أوروبي )، وقد تظهّرت هذه الأجندة بأبهى حُللها في ما سُمّي
“بالربيع العربي” منذ العام 2011 في مصر وسوريا وبعض دول الخليج كالبحرين والكويت … حيث لوحظ من خلال مذكرات الرئيس باراك أوباما “الأرض الموعودة” الدعم الفعّال الذي قدّمته الإدارة الأميركية الديمقراطية للإخوان في ثورتهم في مصر، وإسقاطهم الرئيس الراحل حسني مبارك، كما في ليبيا وتونس، امتداداً الى سوريا بتوافقٍ تركي – أميركي – إيراني آنذاك …
ثالثاً : إيران دعمت حماس والجهاد، وهذا صحيح لكن بسلاحٍ مسمومٍ هو سلاح الولاء للثورة الإسلامية في مقابل ” المواءمة ” بين نهج التشيّع وتصدير الثورة الإسلامية ونهج المقاومة والعمل المسلّح لاستعادة الأرض في فلسطين، في لحظة كانت اتفاقيات أوسلو ترسمُ خطة طريق سياسية بدأت بالإقرار الدولي بإنشاء سلطة فلسطينية مُعتَرفٍ بها ذات مقعدٍ في الأمم المتحدة، ولم تنتهِ بإصدار جواز سفر فلسطيني وإنشاء مؤسسات إدارة فلسطينية ذاتية في الضفة الغربية والقطاع .
إيران دعمت ولكن بالسلاح فقط “لتَركبَ ” موجة المقاومة الفسلطينية بحجة تحرير القدس والأقصى، فيما قسمٌ من الفلسطينيين، ومنهم حماس والجهاد، قبلوا الدعم الإيراني ب”أثمانه”، فانتقل الشقاق من شقاق فلسطيني – فلسطيني الى شقاق عربي فلسطيني – حمساوي جهادي ….واستمرت الدول العربية على مدار كل القمم العربية بالتعاطي مع السلطة الفلسطينية ورئيسها ومشاركته الدائمة في أعمالها كرئيس للسلطة الفلسطينية، الكيان الفلسطيني الشرعي الوحيد لتمثيل الشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية، بينما ذهبت حماس ومعها الجهاد الى إيران فأصبح قاسم سليماني الذي ذبحً الشعب السوري “السنّي” شهيدَ القدس … مكرّسَين بذلك التَبَعية الكاملة للتشيّع، وقد اعترف الراحل إسماعيل هنية صراحةً بحصول عمليات تشيّع للفلسطينيين منذ دعمت إيران حماس والجهاد في غزّة .
رابعاً : يُضاف الى ذلك سببٌ آخر لعدم دعم الدول العربية حماس هو أن إسرائيل نفسها ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو نفسه في حكوماته السابقة كان أكبر الداعمين لحماس، وقد ساهم إسهاماً مباشراً في “تقوية شوكتهم” وصمودهم ووجودهم لا لشيء سوى لتغذية الانقسام الفلسطيني والقضاء على مجرد الحلم بدولة فلسطينية موحّدة منذ العام 2015 وحتى العام 2022، فكانت إسرائيل توصل المال والإمدادات الى القطاع من دون انقطاع من رواتب وميزانيات لحكومة حماس … الأمر الذي خدمَ إيران بالإمساك بورقة القطاع وحماس والجهاد في مواجهة ورقة الشرعية الفلسطينية في الضفة الغربية المدعومة من الدول العربية والإسلامية.
منذ يومين، سُرّبَ كلامٌ مهمٌ من أحد المرشحين لتولي خلافة إسماعيل هنية المدعو خليل الحيّة مفاده أنه وهنية والوفد المرافق عندما وصلوا الى طهران تسلّم الإيرانيون إسماعيل هنية مانعين مرافقيه من أن يكونوا معه ليُسلّم الى فريقٍ خاصٍ من الحرس الثوري الإيراني الذي رتّب له زيارة المرشد الأعلى علي خامنئي وأعدّ له مكان إقامته في مبنى المحاربين القدامى … ويتابع الحيّة حديثه بأنه والوفد المرافق، عندما أرادوا إرسال هاتف جوال هنية اليه للتواصل معه لأنه باتَ منفصلاً عن الوفد ومستفرداً وهم بحاجة للتنسيق معه، أُرسل الجوال مع مرافق هنية الشخصي اليه لكن المرافق لم يعد وقد تبيّن أنه استُشهد مع هنية .
وتابع الحية كلامه بحسب التسريب بأن الإخوة أعضاء الوفد ومنهم زياد نخاله لاحظوا التوتر الكبير الذي بدا عليه إسماعيل هنية، وقد عزم (ودائماً الكلام للحية) على الاتصال بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان للطلب منه إرسال طائرة لنقله الى تركيا قبل ساعات من اغتياله … نهاية التسريب …
إسماعيل هنية أرادَ وقف حالة الانقسام بين الفلسطينيين وقَبِل بأن تفاوض منظمة التحرير إسرائيل حول حلٍّ لحرب غزّة … فقتلوه … ولعل في قتله منفعة لإيران التي لا تريد خروج “الورقة الغزاوية” من يدها لاستمرار الابتزاز والتفاوض والمقايضات عليها، ومنفعة لبنيامين نتنياهو الذي لا يريد حلّاً للحرب في غزّة يُقصّرُ من عمره السياسي، كما لا يريد تعويم أي دورٍ لمنظمة التحرير لعدم توحّد الفلسطينيين …
قتلوه بدمٍ باردٍ … وهذه هي مأساة حماس …