الى مكتبه في الطابق الرابع من قصر عدل بيروت، عاد المحقق العدلي في جريمة إنفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار لاستئناف عمله تمهيداً لإصدار قراره الاتهامي في جريمة غيّرت مصير ومسار الكثيرين في بلدٍ يخضعُ قضاؤه لسطوةٍ سياسية تسببّت بانقسامٍ عمودي في الجسم القضائي.
ومع عودة البيطار المحصّنة بتدابير أمنية مشدّدة في محيط مكتبه المجاور للمكاتب التابعة لمجلس القضاء الأعلى وكذلك للنيابة العامة التمييزية في الطابق نفسه، أعاد معه 40 دعوى “مخاصمة دولة” و”ردّ دعاوى” رفعها ضده سياسيون وأمنيون وقضاة خلال المرحلة التي تسلّم فيها مهامه خلفاً لقاضي التحقيق العسكري الأول بالإنابة فادي صوان بعد تنحّي الأخير عن التحقيق في ملف المرفأ.
مَن يعرفُ طارق البيطار عن كثب، يُدرك أن هذا الرجل لا يخضعُ للمساومات ولا يسلكُ مسار الصفقات، وإلا لكان قَبِلَ بتبوء منصب وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال الحالية، وهو أمر لم يُكتب له النجاح لسببين: الأول التوزيع والمحاصصة الطائفيَين المعتمدَين كعُرفٍ خلال تشكيل الحكومات المتعاقبة في لبنان (أُعطيت وزارة العدل للطائفة المارونية فيما البيطار من طائفة الملكيين الكاثوليك)، أما السبب الثاني فهو رفضٌ قاطعٌ من البيطار نفسه لتولّي هذا المنصب الوزاري، وقد بقي هذا الأمر طي الكتمان بعيداً ولم يُصرَّح عنه أبداً ولم يصل الى “مسامع أهل الصحافة”، كما أنه لم يبلغ حدّ التواصل المباشر بين البيطار والعاملين على “طبخة التشكيلة الحكومية” وقتذاك.
المعلومات التوافرة والمستقاة من مصدرَين أحدهما قضائي والثاني حقوقي أشارت الى أن المدعي العام التمييزي بالإنابة القاضي جمال الحجار، والذي يتمتّع بمناقبية عالية ودماثة خُلق، لم يمانع في عودة القاضي طارق البيطار إلى مكتبه، كما لم يحصل أيّ إشكال أو مواجهة بين القاضيين، على عكس ما حصل بين البيطار ومدعي عام التمييز السابق القاضي غسان عويدات، الذي خاطب البيطار يوماً بقوله: “يدكم مكفوفة بحُكمِ القانون”، فردّ عليه البيطار باجتهادٍ قانوني أثار جدلاً واسعاً حينها وخلاصته أن “صلاحيات المحقق العدلي، أي محقق عدلي، هي حصرية تصدر عن المجلس العدلي الذي هو هيئة قضائية أعلى من محاكم التمييز”.
عودة البيطار الى استئناف عمله الذي بدأ بالتحقيقات السرّية تمهيداً لإصدار قراره الاتهامي (وهنا ينتهي دوره كمحقق عدلي) يليه إجراءات المحاكمة التمهيدية ثم جلسة المحاكمة العلنية أمام المجلس العدلي وبعدها الحكم النهائي، أثارت تساؤلات حول “صفقةٍ” يُحضَّر لها وتقضي بإلغاء قرارات عويدات والسماح للبيطار باستكمال تنفيذ قراراته شرط أن يستثنيَ عويدات من قراره الظني فلا يدّعي عليه.
المصدران أجمعا على التأكيد لـLebTalks أنه من المرجّح أن يرفض البيطار الصفقة رفضاً قاطعاً، سنداً الى ما قاله “ما في حدا فوق القانون وأي مرتكبٍ سينالُ جزاءه حتّى ولو كان بيي”.. ما يدفعنا الى الاستنتاج بأن “غداً لناظره قريب والعدلية قريبة كمان”.