كتبت تالين نهرا: “كل واحد فاتح ع حسابو”، عبارة اختصرت بها ابنة الـ22 عاماً، عمل سائقي التوك توك في مدينة البترون، إذ تشير الفتاة، مفضلةً عدم ذكر اسمها، إلى أن “تسعيرة التنقل بالتوك توك، أو ما يسمى توكسي أيضاً، تختلف من سائق إلى آخر”، بحيث تفاجأت ذات يومٍ، بفارق الأسعار الملحوظ الذي أنفقته بين 3 مركبات.
تقول الفتاة: “كان معي رقم أحد سائقي التوكسي، واعتدت دائماً الاتصال به لأتنقل من مكان إلى آخر في المدينة، والتسعيرة كانت ثابتة، 150 ألف ليرة لبنانية. من حوالي الأسبوعين، قررت الذهاب إلى أحد المنتجعات السياحية وكالعادة اتصلت به لأذهب من جسر المستشفى إلى المنتجع، والتسعيرة 150. بعد حوالي الـ5 ساعات، اتصلت بالسائق نفسه، إلا أنه لم يفتح هاتفه، فتصادفت بتوكسي آخر على الطريق، وأخذني إلى مطعم قريب على البحصة، لتكن المفاجأة بتقاضيه 100 ألف ليرة لبنانية، قائلاً بعد استفسارها عن الأجرة: هيدي تسعيرة البلدية يا عمو”.
“بالأول، ما أخدت ولا عطيت”، إلى أن قررت الشابة ركوب توك توك آخر للعودة إلى جسر المستشفى، “200 ألف ليرة لبنانية، دَفَعتا من تم ساكت”، جملة قالتها الفتاة بسخرية، مستطردةً: “حتى ع النقليات، لا حسيب ولا رقيب”.
في المقابل، تقول كريستيل قمير، ابنة الـ19 عاماً، التي تسكن في البترون: “أنا بعرف التسعيرة، بعطي 100 ألف وما بسأل”، مضيفةً: “أعتقد أنه عند السؤال، سيظن السائق أنه بإمكانه التذاكي عليّ، لذلك، أعطيه الأجرة بحسب تسعيرة البلدية وحسب”، مستهزءةً: “العترة ع اللي بيسأل”.
“350 ألف ل.ل. روحة ورجعة”. يذكر شربل نهرا، ابن الـ21 عاماً أنه “في أحد الأيام، أخذ سائق، حوالي ضعف المبلغ الذي يدفعه عادةً، ليوصله من مقهى في شارع المطاعم إلى منزله داخل المدينة، وبعدها أعاده إلى المطعم نفسه”.
“شو مفكرينا عم نلاقي مصرياتنا ع الطرقات”، جملة اتفق عليها الشابتان والشاب، مستطردين: “حتى بس نكون رايحين ننبسط، بدا تنسرق مصرياتنا”.
“tour” توك توك… ضربة موفّقة بأقل مجهود؟
بعد ملاحظة موقع “LebTalks” تضارب الأسعار بين سائق وآخر، قرّرنا الاستفسار عن الموضوع لكي لا يذهب في مهبّ الريح، لذلك بدأنا بأساس المشكلة، وهم أصحاب التوك توك، إذ اتصلنا بعدد من السائقين، وسألناهم بالتفصيل عن كلفة التنقل، لكن قبل ذلك تأكدنا من تسعيرة البلدية، وهي “1$ أو 100 ألف ليرة لبنانية، للتنقل داخل المدينة، و2$ أو 3$ للذهاب إلى أي وجهة في ضواحي المدينة ـ تختلف الكلفة بحسب بُعد المسافة ـ و5$ للتجول في مدينة البترون كاملةً لمدة نصف ساعة”.
وعما إذا من الممكن أن تختلف الكلفة بين سكان المدينة والسائحين، تساءل موظف البلدية مع قليل من الاستنفار: “لماذا يجب التفريق؟ التسعيرة واحدة على الجميع”.
“20 دقيقة بـ10$”، وقت أقل بضعف السعر. تسعيرة سائق، صدمت رئيس بلدية البترون مارسيلينو الحرك، عند إعلامنا له بها، إذ تعجب أولاً من هكذا سعر، قائلاً: “يجب تنفيذ محاضر ضبط بحق المخالفين”.
وهل هناك من يحاسب بعد أن يراقب؟
ويتابع الحرك: “ليست لدي معطيات كثيرة بشأن هذا الملف، إذ يستلمه عضو البلدية إسطفان جمّال بالتنسيق مع لجنة خاصة”.
وتوصّل موقع “LebTalks” إلى أن “مكاتب التوكسي والتاكسي تلتزم إجمالاً بالتسعيرة المفروضة، بالإضافة إلى بعض السائقين، إلا أن أغلب المنفردين، غير آبهين”، بحيث أن هناك أحدهم قرّر توحيد كلفة التنقل داخل المدينة وخارجها، محدداً 200 ألف ل.ل.، وآخر حلّل أنه في حال وجود زحمة سير يجب تقاضي 150 ألف ل.ل. من الزبون بدلاً من 100 ألف ل.ل.، إذ يعتبر أن الزحمة تُبطئ عمله، وتُقلّل من نسبة ربحه”. هذا ولم نذكر بعد، أن قمة التضارب تكمن بتسعيرة الـ”tours”. هل لأن عدداً ملحوظاً من السائحين يقصد المدينة خصوصاً للقيام بـtour فيها، أم لأنها ستكون “ضربة موفقة”، بأقل مجهود ووقت؟.
“ما بتحرز”
“نعلم بالموضوع”، بهذه العبارة اختصر عضو البلدية جمّال جوابه، عند طرح التفلت الحاصل بتسعيرات التوكسي، إلّا أنه شرح لاحقاً أن “بلدية البترون تعمل دائماً على تنظيم هذا العمل، من خلال دعوة السائقين بشكل دائم إلى مبنى البلدية للاجتماع ووضع الضوابط، كما أنه يوجد متابعة وتنسيق مع الأجهزة الأمنية”، لافتاً إلى أن “كل موضوع قد يُزعج السائح أم أهل المدينة، لن نتركه بلا معالجة”.
ويضيف جمّال: “نظّمنا عمل السائقين عبر إعطاء لوحات أرقام لهم كافة، ووضع ميكانيك على مركباتهم، لكن في الأساس، توقفنا عن منح الأرقام منذ شهر أيار 2023، لكن طبعاً، لا يمكننا التأكد 100% من أن أحداً لم يشترِ مركبةً بعد هذا التاريخ. في المقابل، تتوزّع عناصر الشرطة في سوق المدينة القديم لمنع المركبات التي لا تحمل أرقاماً من الدخول”، مشيراً إلى أن “هذه المركبات منظّمة أكثر من تلك الموجودة على الطرقات اللبنانية”.
“مابتحرز ينكتب مقال عن الموضوع”، هكذا أعرب جمّال عن وجهة نظره، بحيث يقول: “انخفضت في الآونة الأخيرة وبشكل ملحوظ أعداد التوك توك إذ إن أغلب مالكيها باتوا يفضّلون العمل على الـgolf cart، لذلك قاموا ببيعها”، معتقداّ أنه “يجب التطرق إلى مواضيع أكثر دسامة، أو التكلم عن السياحة في المدينة”، إلّا أنه كيف لنا ألّا نتطرّق إلى ملف، لجميع الساكنين أو الزائرين دخل فيه، متورطين أو مستدرجين؟.
ويتابع: “نعلم بالشاردة والواردة في المدينة، بحيث يوجد حالياً مئات المجموعات عبر تطبيق واتساب، ويتناقل عبرها السكان الأخبار الآنية، لذلك لا يمكن حدوث أي مخالفة بلا معرفتنا بها”.
ويردف: “لا نريد تسويد اسم مدينة البترون، إثر تصرفات البعض غير اللائقة”، معتبراً أن “الغيرة ضاربة، وهناك أشخاص ممتعضون من تقدم وتطور المدينة”.
“عيون الحسّاد كتار”، أم “عيون الداخل مش شبعانة”؟ صحيح أن مدينة البترون نشطت في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل هائل اقتصادياً، وصحيح أن هذا النشاط فتح المجال للكثير من العائلات وأخرج المدينة من ركود، ويا لحسن حظّ لبنان بوجود مدينة يقصدها السياح من أقطار العالم، لكن هل ذلك، يتيح للسكان والمسؤولين تقبّل أو غضّ النظر عن “اللي فاتحين ع حسابن” بإيجارات التوك توك؟.