كيف احتلّت بلاد الأرز المرتبة الـ15 عالمياً بالازدحام المروري؟

cars

كل صباح، يبدأ آلاف السائقين رحلتهم بضغط نفسي أكبر من المسافة التي سيقطعونها فعليّاً. وحسب بيانات Numbeo، فقد احتل لبنان المرتبة الـ15 في العالم من حيث الازدحام المروري، ما يعكس حجم المشكلة على مستوى البلاد. هذا الازدحام لا يُضعف فقط يوميّة المواطن، بل يمسّ الاقتصاد، البيئة، وجودة الحياة. إذ إن الطريق التي يفترض أن تُقرب بين المدن، باتت اليوم تمثّل جداراً زاحفاً من السيارات والانتظار. فماذا تقول الأرقام؟ وما هي الأسباب؟ ومن يتحمّل المسؤولية؟

بحسب آخر بيانات وزارة الأشغال العامة والنقل، باشرت الوزارة تنفيذ خطة صيانة وإصلاح عاجلة تشمل عشرات الطرق الحيوية لتحسين السلامة المرورية وتقليص زمن التنقّل.

وفي أيار 2025، أطلقت الوزارة مشروعاً وطنياً تحت شعار «نُرمم الطرق… نرمم الثقة»، يستهدف تأهيل نحو 3000 كيلومتر من الطرق في أكثر من 25 قضاءً.

ورغم أهمية هذه الخطوات، إلا أن الطريق إلى تخفيف الازدحام ما زال طويلاً، لأن المشكلة تتجاوز الصيانة إلى بنية النقل ككل.

في محاولة لفهم أعمق لأسباب تفاقم أزمة السير في لبنان، قال الخبير في حوادث السير تمام مشموشي، عبر "LebTalks" إن "السبب الأول وراء تفاقم الازدحام في لبنان، هو الاعتماد شبه الكامل على السيارات الخاصة. أكثر من 80% من التنقّل اليومي في لبنان يتم بالسيارات، لأن النقل العام شبه غائب أو غير منتظم، وهذا يجعل أي خلل بسيط في الطرق يتحوّل إلى ازدحام كبير".

وأكد مشموشي أن "غياب التخطيط المروري والتنسيق بين الجهات هو المشكلة الأخطر. لا توجد رؤية موحّدة لتوزيع السير أو لتطوير الإشارات والدوارات. كثير من الخرائط والدراسات لم تُحدَّث منذ أكثر من عشر سنوات، وبالتالي كل الحلول تبقى ترقيعية وموقتة".

وأفاد بأن "وسائل النقل البديلة شبه معدومة. لا توجد مسارات للدراجات الهوائية، ولا أرصفة مهيّأة للمشاة، وحتى خدمات النقل الجماعي تفتقر إلى التنظيم والموثوقية. المواطن لا يختار السيارة رفاهيةً، بل اضطراراً".

وعن حجم الخسائر التي تسبّبها هذه الأزمة، أشار الى أن "كبيرة جداً، حيث تشير التقديرات إلى أن الازدحام يُكلّف لبنان نحو 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، نتيجة الوقت المهدور، واستهلاك الوقود، والتأخير في حركة البضائع. كما أن الأثر البيئي كارثي بسبب ارتفاع انبعاثات الكربون وتراجع جودة الهواء".

على الأرض، يعكس السائقون صورة أخرى للمعاناة.

يقول أبو جورج، سائق سيارة أجرة في جونية: “كلّ حفرة تُؤخّرني بضع دقائق، وكلّ تحويلة تستهلك مزيداً من الوقود، وفي النهاية الزبون لا يقبل بدفع مبلغ إضافي، بينما لا أستطيع أنا أن أعمل بخسارة".

أمّا حسين، سائق سيارة أجرة في صيدا، فيصف عمله اليوم بـ"سباق بطيء"، قائلاً: "الرحلة التي يُفترض أن تستغرق عشرين دقيقة، أصبحت تحتاج إلى ساعة كاملة بسبب الازدحام".

الازدحام في لبنان لم يعد مجرّد مشهد يومي من صفوف السيارات، بل أزمة وطنية متعدّدة الأبعاد: اقتصادية، بيئية، ونفسية.

ومع أن وزارة الأشغال تكثّف ورش الصيانة وتحسين الطرق، إلا أن التحوّل الحقيقي يبدأ حين تتبنّى الدولة سياسة نقل مستدامة تُشجّع النقل الجماعي وتقلّل من الاعتماد على السيارة الخاصة.

لبنان لا يحتاج فقط إلى تعبيد طرق جديدة، بل إلى رؤية جديدة للحركة والتنقّل. فالمشكلة ليست في المسافة، بل في كيفيّة السير إليها.

 وهل الطريق التي نسلكها اليوم تقود فعلاً إلى الحلّ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: