كيف قرأ شيخ سنّي حادثة مدرسة طرابلس؟

school-qn49jhkpchfep7whasof04svbtkunsk99alfyjlov4

أعاد مقطع فيديو متداول على منصات التواصل الاجتماعي، صُور داخل إحدى المدارس في مدينة طرابلس، فتح جرح حساس في الجسد اللبناني، يتجاوز حدود الواقعة التربوية ليطال جوهر العيش المشترك، وحدود المسؤولية، وأدوار التحريض الممنهج في زمن الانقسام.

الفيديو، الذي ظهرت فيه طالبات قاصرات يستخففن بعيد الميلاد ويصفنه بعبارات مسيئة، فجر موجة استنكار واسعة، لا سيما أنه مس رمزاً دينياً وإنسانياً يتجاوز الانتماءات الطائفية، غير أن الخطورة لم تكمن في الفيديو وحده، بل في طريقة استثماره، وتوظيفه سياسياً وطائفياً، وتحويله من خطأ تربوي مدان إلى منصة لإشعال الغرائز.

إدارة مدرسة "مناهج العالمية" سارعت إلى توضيح موقفها، مؤكدة أن التصوير جرى من دون علمها، وأن محتوى الفيديو لا يعكس نهجها التربوي ولا قيمها التعليمية، مع الإعلان عن اتخاذ الإجراءات المسلكية بحق الموظف الذي قام بالتصوير والنشر، لكن، ورغم هذا التوضيح، اتسعت دائرة التصعيد، لتطال وزيرة التربية ريما كرامي، في حملة وصفت بأنها غير متوازنة ولا تستند إلى منطق المسؤولية المؤسساتية.

في هذا السياق، يبرز موقف الشيخ محمد نقري عبر منصة LebTalks، الذي قرأ الحادثة من زاوية أعمق، محذراً من هجمة غير بريئة تستهدف ضرب العيش المشترك في لبنان، ويعتبر أن ما يجري ليس حدثاً معزولاً، بل حلقة في سلسلة محاولات متكررة لنقل الفتنة من ساحة إلى أخرى، سنية - شيعية، درزية، علوية، أو مسيحية - إسلامية، بهدف تفكيك المجتمع من الداخل.

يشدد الشيخ نقري على أن المشكلة الأساسية تكمن في غياب الوعي، وفي الانزلاق المتزايد نحو الطائفية، حيث يترجم كل حادث إلى فرصة للتحريض بدل المعالجة، ويؤكد أن ما حصل في المدرسة أمر مستنكر، لكن تحويله إلى معركة دينية هو بحد ذاته جريمة أخلاقية ووطنية.

ومن موقعه كشيخ سني، يطرح نقري سؤالاً مباشراً: "إن لم يرغب البعض بالاحتفال بعيد الميلاد، فهذا شأنهم الخاص، لكن ما علاقتهم بالآخرين؟ ولماذا الإصرار على استفزاز شركاء الوطن؟".

ويرى أن هذا السلوك لا يمت إلى الدين بصلة، بل يعكس جهلاً خطيراً، معتبراً أن كل من يثير النعرات الطائفية يسيء إلى دينه قبل أن يسيء إلى وطنه.

ويذهب الشيخ أبعد من ذلك، داعياً إلى إقرار قوانين واضحة تجرم خطاب الكراهية والتحريض الطائفي، أسوة بدول كثيرة تعتمد تشريعات صارمة في هذا المجال، كَوْن لبنان، بتعدديته، أحوج ما يكون إلى حماية قانونية للعيش المشترك، لا إلى تركه رهينة نزوات الجهلاء ومنصات التحريض.

كما يرفض تحميل وزيرة التربية مسؤولية كل "شاردة وواردة"، معتبراً أن ما يجري في طرابلس يتطلب احتضاناً لا شيطنة، ومعالجة تربوية لا استهدافاً سياسياً، كما يدعو إلى إطلاق حملات توعية مشتركة، تشارك فيها المؤسسات الدينية والتربوية والحكومية الرسمية، لتعزيز ثقافة الاحترام المتبادل داخل المدارس وخارجها.

ويختم الشيخ نقري بتأكيد دلالته الدينية الجامعة بقوله: "نحن كمسلمين، السيد المسيح والعذراء مريم من صلب عقيدتنا، ومن جوهر إيماننا، عبارة تختصر موقفاً يفترض أن يكون بديهياً، لكنها في زمن الفوضى الخطابية باتت تحتاج إلى من يذكّر بها".

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: