كتب جوزيف الخوري : يقف المواطن اللبناني اليوم أمام اختبارٍ يتطلّب الجرأة المطلقة لإقرار أي لبنان هو الأفضل له. فكلّ لبناني شهدَ على مرحلتين متعاقبتين من الأحداث، يمكن اختصارها بعنوانين: الدويلة، والدولة. والسؤال حتماً موجّه إلى أهالي الأسرى المخطوفين في حربٍ بدأتها الدويلة، الذين يستقبلون مؤخّراً أبناءهم، عائدين من الأسر بجهدٍ وسعيٍ من الدولة اللبنانية، فمن الذي أعاد الشمل؟
لبنان الأمس عاش في الظلمة، عاش رهينة في بيئةٍ لا تعرف الحريّات والنظام. أصبح كبؤرةٍ من الفوضى، يحكمها السلاح ونهج الحرب وذهنية العنف. هذا المشهد جعل من لبنان ساحة حرب، اغتيل فيها أبرياء، خسر البعض ممتلكاتهم، احتُلّت قرى وبلدات وللأسف زال بعضها من الوجود. ولا بدّ من الإشارة إلى أن تداعيات الحرب أصعب من خوضها حتّى، فالآن سيشعر الناس بفقدان أفراد من الأسرة، ويفتقدون لمناطق ترعرعوا فيها، ويستذكرون مواقع وأماكن حفظت لهم الذكريات.
أمّا لبنان اليوم وفي خضم تحوّلٍ سريعٍ، عاد إلى الحالة الطبيعية، يسير بمؤسساته في كنف الدستور، مع رؤية صريحة بإعادة بناء ما تهدّم جرّاء العقبات التي واجهت الدولة، وعلى تأمين الحماية المطلوبة للجميع من دون استثناء أو تمييز. هذه الدولة المتوّجة بالشرعية والمشروعية، قادرة على تحقيق المكاسب بالنهج الصحيح، في ممارسة سياسية صائبة، شرط أن تكون الممارسة في متناول السلطات الرسمية، وأن تلتزم تلك الأخيرة بمبادئ الدولة العليا، من المصلحة العامة حتّى السيادة الوطنية.
يجدر باللبناني التوقف عند كل موقفٍ ومحطّةٍ وتعليل ظروفها وعناصرها، فليس صعباً الإختيار ما بين هاتين الصورتين للبنان. ولا من داعٍ للخوف على الوجود اللبناني في هذه المنطقة أو لتبلور هاجسٍ لدى جماعة تجاه حقوقها وحرياتها. طالما نسلّم كلبنانيّين أمرنا للدولة الشرعية القائمة ونقف بإرادتنا إلى جانبها وندعمها بمواطنيتنا الكاملة، سينعكس هذا الدعم علينا بحياةٍ مسالمةٍ تسودها الحريات والعدالة.