بالرغم من اجواء بعض الارتياح التي أطفتها زيارة المبعوث الاميركي توماس براك في الأوساط الرسمية اللبنانية بالمقارنة مع الاجواء التي كانت تسود اثر كل زيارة للمبعوثة السابقة مورغن اورتاغوس إلا ان ذلك لا يعني تراجع في الثوابت السياسية الاميركية تجاه لبنان بدأ من مسألة السلاح.
وكما سبق وقلنا في احدى تغريداتنا الأخيرة ثمة معادلة جديدة داخلية ارتسمت ومفادها: لا كلام الآن عن السلاح في مقابل لا تدخل لحزب الله في الحرب الاسرائيلية الإيرانية.
والواضح من المعطيات ان الدولة بأركانها الثلاثة مقتنعة بألا مجال حالياً للبحث في السلاح في ظل الوضع الاقليمي المتفجر، لكن هذا المنطق ليس بالضرورة صحيح اذ ان على لبنان ان يختار بين ربط مصيره بالإقليم او المضي قدما فيما رسمت لدولته من خطة للخروج من ازماته، وفي هذا الاطار نتوقف عند الملاحظات التالية:
أولاً: مواضيع اهتمام السفير توماس براك في جولته اللبنانية بحسب ما يقال تركزت على انعكاسات الحرب الاقليمية على لبنان وكيفية حياد لبنان من اي تورط وتنظيم العلاقات اللبنانية السورية.
ففي الشق السوري نلاحظ “خجلاً” لبنانياً حتى الآن كي لا نقول اكثر من توسيع نطاق التواصل والاتصالات مع الدولة السورية الجديدة لحل العديد من الملفات العالقة في ظل استعداد سوري رسمي لفتح تلك الملفات والتوصل إلى تفاهمات واتفاقات ثنائية.
فإن كان ثمة اعتبارات تؤجل موقتاً معالجة موضوع السلاح فلا نرى اي مبرر او اعتبار في التصدي لملف العلاقات الثنائية وليس اقلها موضوع ترسيم الحدود وحسم هوية مزارع شبعا والتنقيب الغازي في المياه المشتركة اللهم إلا إذا كانت الدولة حتى في هذا الملف تتجنب الصدام مع الثنائي الشيعي الذي لديه تحفظاته السياسية والعقائدية والدينية على النظام السوري الجديد الأمر الذي إذا كان كذلك فهو خطير ومرفوض لانه لا يجوز ان تكون الدولة خاضعة لإرادات ومواقف مكون لبناني على حساب باقي المكونات بل وعلى حساب المصلحة اللبنانية العليا.
من هنا لا نعتقد ان الدولة قاصرة في فهم المعنى الجيوسياسي العميق لتكليف توماس براك سفير الولايات المتحدة في تركيا بملفي لبنان وسوريا معاً وقد سبق واشرنا في مقالاتنا إلى معاني هذا التكليف الذي يترجم نظرة أميركية واضحة الترابط بين الملفين اللبناني والسوري من ضمن محور جيوسياسي تركي سوري لبناني بموافقة سعودية وخليجية وتنسيق وتعاون معه.
ثانياً: ان لم يركز توماس براك على جدولة زمنية في ملف السلاح إلا اننا لا نخال الدولة اللبنانية من خلال أركانها الثلاث (العهد والحكومة ورئيس مجلس النواب) تعتبر تغييراً في الاولويات الاميركية والدولية اذ ان المعادلة لا تزال هي هي: لا اعمار ولا استثمارات ولا اموال قبل حل موضوع السلاح.
والخطورة هنا ان تنتهج الدولة منطق ربط حل السلاح بنتائج الحرب كما كان خطأ ربط الموضوع بالتفاوض الاميركي الإيراني الذي أودى إلى ١٣ حزيران والحرب الحالية.
فالسفير براك طالب بالإسراع في ملف السلاح ولا تنفع السردية التي تربط السلاح بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمسة وإطلاق سراح المحتجزين لانها بحد ذاتها تضرب عرض الخائط بما التزم به لبنان:
فعلينا اولا تنفيذ ما التزمنا به لتنكشف إسرائيل دوليا وتضطر تحت ضغط الديبلوماسية الاميركية والدولية إلى الانسحاب من الأراضي اللبنانية وقد نفذ لبنان كافة التزاماته وهو الاولى بتحرير ارضه لكن على قاعدة تنفيذ التزاماته لا على قاعدة الدخول في لعبة المقايضات واشتراط تنفيذ العدو القرار ١٧٠١ واتفاقية تشرين الثاني ٢٠٢٤ لتنفيذ لبنان التزامه: فلبنان هو المحتل ولبنان هو من عليه القيام بكل ما يلزم لتحرير ارضه بدأ من الالتزام اولا وتحريك العجلات الديبلوماسية عندها لاجبار إسرائيل على الانسحاب والا دخلنا في متاهة الدجاجة قبل البيضة او البيضة قبل الدجاجة.
فإما ان هناك دولة تحصر السلاح بيدها وحدها وتفاوض وحدها المجتمع الدولي وتقود وحدها مقاومة الاحتلال من دون مزايدات او تجاوزات لدورها واما فلتبق الامور محكومة بنفس منطق ادارة الدولة سابقاً وإبقاء اللبنانيين عالقين إلى ما شاء الله..
وبالتالي نحن امام منطقين: منطق لتنسحب إسرائيل من الجنوب كي ننفذ ملف السلاح وكل ما يترتب علينا اولا ومن ثم نتصدى لاحتلال بموقف دولة واحدة قوية، فلبنان يبقى عالقً بين هذين التوجهين سيما وان الاميركيين والمجتمع الدولي يعتمدان الخيار الثاني اذ كل الموفدين والمبعوثين يأتون إلى بيروت بهدف المطالبة بانهاء ملف السلاح وتنفيذ لبنان القرار ١٧٠١ بالاولوية.
فلبنان عالق بين منطقين لا بل بين نهجين داخليين فيما مصداقيته تواجه التحدي والعودة لنوع من العزلة او اقله البرودة والدليل ما نلحظه من برودة خليجية وبخاصة سعودية.