بين تصريح فخامة رئيس الجمهورية جوزاف عون بابتعاد شبح الحرب عن لبنان، وتقاطع المعطيات الجيوسياسية والجيواستراتيجية الإقليمية، فوارق كبيرة لا يمكن الجمع بينها.
كلام عون مطمئن للبنانيين، إلا أن ثمة استحقاقًا كبيرًا يتوقف عليه مصير لبنان والمنطقة، ألا وهو لقاء ترامب -نتنياهو في التاسع والعشرين من الشهر الجاري في واشنطن، حيث إن هذا اللقاء لن يبحث في مسألة طبيعة الخيارات، بل في توقيتها.
فإذا كانت طمأنة الرئيس عون تنبع من كون لبنان دخل بجسم سياسي مفاوضات الميكانيزم لإرضاء مطلب أميركي مباشر، فإن الأهم هو كيفية تنفيذ كافة بنود اتفاقية وقف الأعمال العدائية لتشرين الثاني 2024، وهنا البيت القصيد.
إذ إن الاتفاقية لم تحصر موضوع السلاح بجنوب الليطاني كما يتراءى لبعض الجهات، بل شملت عملية جمع السلاح من شمال الليطاني، وهنا نعود لتصريح السيناتور الأميركي ليندسي غراهام الأخير، الذي اتسم بحدية لافتة حين قال إن على حزب الله تسليم سلاحه طوعًا، وإلا سيتم نزع السلاح بالقوة، دون استبعاد مشاركة الولايات المتحدة في الضربة العسكرية على إيران والحزب في آن.
المسألة إذًا لم تعد مسألة البحث في طبيعة الخيارات، وقد داقت جدًا تلك الخيارات لدرجة انحسارها بالحلول العسكرية والأمنية، بل المسألة باتت في البحث بالتوقيت والأساليب الملائمة لحسم ملفي إيران وحزب الله، لا سيما ضرب إيران إلى حد الذهاب إلى إسقاط رأس النظام.
لقاء واشنطن سيكون لقاء وضع اللمسات على توقيت وأسلوب الحسم العسكري ضد إيران وحزب الله، ليس أكثر، سيما وأن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت تستعجل الحلول في المنطقة للتوصل إلى إرساء قواعد ومنصة أمن واستقرار، بعد الانتهاء من عوامل وأسباب التوتر، تمهيدًا لإطلاق المشاريع الاستثمارية والتجارية الضخمة، بناءً على روزنامة إقليمية ودولية شاملة، مقررة ونهائية مسبقًا.
إيران لا تزال ترفض تنازل حزب الله عن سلاحه تحت أي ظرف أو سبب، ما يشير على الأقل إلى تخوف إيراني من حرب إسرائيلية قادمة عليها، تجعل طهران تتشدد أكثر وتلوح أكثر بأبرز ورقة متبقية لها في المنطقة، أي حزب الله في لبنان، فتحاول استخدامها للضغط على الجانبين الأميركي والإسرائيلي، ما سيساعد حتمًا على تعزيز نظرية الضربة المزدوجة لإيران والحزب في آن.
إنها لعبة الشطرنج الخبرة، التي فيها يحاول الملك الاختباء خلف جنده لتجنب إصابته من ملكة مقابلة محصنة بجنود ووزراء وخيالة، في ضربة تبدو حتمية وقاسمة.
وبالتالي، أي اعتداء إسرائيلي على إيران سيؤدي لا محالة إلى تدخل حزب الله في الحرب، خلافًا للمرة الماضية أثناء حرب الأيام الـ13 على إيران، حيث لم تصدر يومها القيادة الإيرانية تكليفًا شرعيًا لطلب المساندة.
فهل قدر لحزب الله أن ينتهي سلاحه على دفعتين: حرب إسناد غزة في 8 تشرين الأول، التي قضت على قيادات الحزب وأركانه الأساسيين ونصف قوته على الأقل، وحرب إسناد طهران التي سوف تقضي على ما تبقى من سلاحه؟
النظام الإيراني في الحرب السابقة لم يشعر بخطر وجودي، لكون الضربة الإسرائيلية-الأميركية كانت تحت شعار ضرب الخطر النووي، أما الحرب المقبلة على إيران، فهدفها سيكون ضرب برنامج إيران الصاروخي، وسط التقارير التي تتحدث عن تقدم كبير حققته الصناعة الصاروخية الإيرانية، لا سيما في إنتاج الصواريخ البالستية الكبيرة التي تهدد أمن إسرائيل مباشرة، بحيث إن مبررات الحرب الثانية جاهزة في الضمير الجماعي للشعب الإسرائيلي، وبالتالي تلك الحرب القادمة ستكون مفتوحة على كافة الاحتمالات لضرب الدور البرنامج الصاروخي الإيراني، وكذلك الدور التخريبي للنظام في المنطقة واستمراره المتعنت في ضرب أمن واستقرار غرب آسيا، ولذا سوف يورط حزب الله في الحرب القادمة، ما يزيد من فرص الحرب المزدوجة كما ذكرنا أعلاه.
إيران من جهتها لا تريد الحرب من موقع ضعف، بعد الضربة التي أحبطت برنامجها النووي، وكذلك حزب الله بعد الوهن الكبير في كيانه وتركيبته، إثر الحرب الأخيرة.
لكن أمام الخلل الكبير في موازين القوى، ستفرض الحرب على إيران والحزب مرة جديدة الأمر، الذي لن يترك أمامهما أي خيار سوى المواجهة، إذا أعطى المايسترو الأميركي إشارة انطلاق تلك الحرب، وهذا ما ستتم مناقشته أثناء قمة ترامب-نتنياهو في التاسع والعشرين من الجاري.