لبنان وسوريا يتصدّران مشهد الشرق الأوسط الجديد

syriaandleb

كتب جورج أبو صعب: 

في مراجعةٍ زمنيةٍ للتطورات الإقليمية منذ اندلاع “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول 2023 وما تخللها من أحداثٍ وحروبٍ، تتظهّر يوماً بعد يوم الصورة لما كانت عليه الأمور وما أصبحت عليه في المنطقة حيث بات من الواضح أن تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لنيف وسنتين لم يكن صدفةً ولم يكن بريئاً أيضاً إذ كان المطلوب من لبنان أن يبقى طوال هذه الفترة بلا رأس لتمرير أجندات أجنبية من خلال استباحة الأراضي اللبنانية بحجة إسناد غزّة وتمكين الإيراني من لعب أوراقه، توسّلاً لصفقاتٍ ما أو لتسوياتٍ قبل رحيل إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن وبدء ولاية الرئيس المنتخَب دونالد ترامب.

 في الخلاصة، تبيّن أن هذا الوقت المستقطع لبنانياً لعبَ ضد مصلحة مَن أرادوا الفراغ الرئاسي ومَن أرادوا إيجاد هذا الوقت الحر، فكانت التوقعات أدنى بكثير من شنّ إسرائيل حرباً على المحور الإيراني في لبنان وعلى رأسه حزب الله،

كما تبيّن في الملف السوري أن المطلوب كان كسب وقتٍ ما لإعداد خطة الإطباق على بشار الأسد بعدما فشلت كافة المحاولات السياسية العربية والخليجية والتركية في إعادته الى صوابه، وقد ساهمَ الروس الى حدٍّ كبير في تضييق هوامش الأسد في التصرّف بدءاً من تحييده إزاء حرب غزة وليس وصولاً الى الضغط عليه للانفتاح على المبادرات العربية والتي رفضها الأسد كلها.

اليوم المشهد واضح المعالم في سوريا : مرحلةٌ انتقالية لا بدَّ منها لإعادة تشكيل السلطة وإعادة إطلاق عجلة بناء الدولة وإعمار البلاد والدخول في عملية سياسية يتوّجها دستورٌ عصريٌ  على صورة إرادة الشعب السوري، لكن هذه المرحلة لن تكون سهلةً لأن ثمة تحدياتٍ جمّة في مسيرة النهوض السوري، ليس أقلها تحقيق مصالحة وطنية سورية شاملة تضمن لكافة مكوّنات المجتمع السوري التساوي في الحقوق والواجبات والمشاركة في إدارة البلاد وإبعاد التطرّف الديني أو المذهبي وارتكاباته عن المشهد وفكّ ” شيفرة ” الملف الكردي- التركي وإعادة تنظيم الوجود الأميركي والتحالف الدولي في سوريا وإدماج كافة مناطق الجنوب والشمال الشرقي السوري في العملية السياسية، وصولاً الى إيجاد تسوية للتوغّل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية ربما من خلال اتفاقاتٍ جديدة شبيهة أو مكمّلة لاتفاقات فصل القوات والمناطق المتنازع عليها للعام 1974. 

في لبنان، البلاد أمام مرحلةٍ جديدة وقد ثَبُتَ بالدليل السياسي والديبلوماسي القاطع أن ثمة قرار دولي

(أميركي- فرنسي) وعربي (خليجي- مصري) من خلال اللجنة الخُماسية في استعادة عروبة لبنان ومؤسساته من يد إيران ومَن يمثّلها في لبنان أي محور الثنائي الشيعي.

ففي سياق الخطة الإقليمية الكبرى والمتمثّلة بمعادلة إنهاء النفوذ الإيراني في الدول العربية المحتلة وإنهاء أذرع إيران في المنطقة، بات من الواضح أن ما جرى فصلٌ من فصول تنفيذ هذه الخطة سواء في لبنان أو سوريا، إذ في لبنان باستعادة القرار السيادي بدعم وضغط خُماسي وفي سوريا باستعادة القرار العربي السنّي ولو بأوجه متعدّدة بضغطٍ تركي وخليجي ولو مع بعض التحفّظ الى الآن.

في النهاية، لم يقم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بما قام به في غزّة ولبنان إلا لأنه كان “المقاول” المكلّف بإطلاق شرارة الحرب الإقليمية وبدء تغيير الشرق الأوسط من الأميركي الذي أيقنَ أن المنطقة لا يمكن إلا أن تكون جزءاً من سياساتها واستراتيجيتها، وكان الخطأ الكبير يوم أرادت واشنطن التخلّي عنها.

 تمَّ الاتفاق على أن يبدأ تغيير الشرق الأوسط باتجاه نظام إقليمي جديد خالٍ من التأثير الإيراني وأذرعه من فلسطين، إلا أن الأحداث تدحرجت على نحو سريعٍ ومتسارعٍ كلعبة الدومينو ونقلت مراكز الاهتمام تِباعاً الى سوريا فلبنان، وهما حالياً الملفيَن الساخنَين سياسياً وديبلوماسياً واستراتيجياً. 

اليوم مع انتخاب الرئيس جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية إنما تمَّ انتخاب ليس شخص بل  “باكاج” متكامل سياسي إقتصادي إنمائي إعماري للبنان … فالرئيس عون لم يأتِ لا بالصدفة ولا من فراغ بل ثمرة معادلة إقليمية ودولية واضحة المعالم قوامها ضرورة إعادة تشكيل السلطة في لبنان بانتخاب رئيس يوحي بالثقة للعالم ودول المنطقة، يقطع مع الماضي (الإيراني) ويُطلقُ عجلة إعادة الإعمار والبناء والتصدّي للفساد وإعادة بناء المؤسسات المترهّلة، وكل هذا  بدعمٍ مالي دولي خليجي.

هكذا تحقّقَ في لبنان الاتي :

1- إنهاء سطوة الثنائي الشيعي ومحوره الإيراني على البرلمان والحياة السياسية اللبنانية.

2- بدء نهاية سيطرة الفساد والطبقة الفاسدة في مفاصل السلطة.

3- تغيير في التوازنات السياسية الداخلية والتي سيسفر عنه تغيير في التحالفات والاصطفافات السياسية

4- النموذج اللبناني تلقّفَ كسر التوازنات الحاصل إقليمياً بتوليفةٍ سياسية قادها الخُماسي الدولي- العربي وقد ظهرت مفاعيله في وقائع جلسة انتخاب الرئيس عون.

5 – عودة لبنان الى عروبته واحتضانه من أشقائه العرب والخليجيين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى.

6- تراجع النفوذ الشيعي السياسي بعد الضربات العسكرية التي تلقّاها في حربه مع إسرائيل وإخراج استحقاق انتخاب رئيس الجمهورية من دائرة قراره ليعود الى جميع اللبنانيين.

وبين ما تحقّقَ في سوريا منذ تاريخ 8 كانون الأول 2024 وما تحقّقَ وسيتحقّقُ في لبنان اعتباراً من 9 كانون الثاني 2025 خطٌ بيانيٌ ثابتٌ ومتطورٌ إن دلَّ على شيء فعلى دخول المنطقة من بوابتي سوريا ولبنان عصر التغييرات والشرق الأوسط الجديد … والدولتان تتصدران هذه المشهدية الإقليمية لأن تطوراتها ذات تأثير مباشر ونهائي على مجمل ما تبقّى من ملفاتٍ على طريق المعالجة منها العسكرية والسياسية والديبلوماسية،

 فهل يقتنعٌ النظام في  طهران بأن زمنها في المنطقة انتهى وأن قواعد اللعبة وموازينها تغيّرت ؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: