لعبة المغامرة والمقامرة في المنطقة الى خواتيمها…أين إيران؟

doc-34vy6x3-1717907965


بقلم جورج أبو صعب

سؤال يُطرحُ وتتصاعدُ وتيرته في الأيام الأخيرة …ومعه سُبحةٌ لا تنتهي من الأسئلة.


بالأمس، وصفَ مندوب الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجلس الأمن الهجمات الإسرائيلية على لبنان وحزب الله “بالمتوحشة”… وماذا بعد؟


ألم تقل إيران يوماً أن باستطاعتها إنهاء إسرائيل في دقائق؟


ألم تتباهى إيران يوماً بترسانتها الصاروخية البالستية ومُسيّراتها القاهرة التي باعت منها لروسيا فلاديمير بوتين؟


أين مدمِّر إسرائيل وراعي محور المقاومة والممانعة في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب؟


أين طهران ونظامها من رؤية ” درة التاج ” تتعرّضُ لأبشع هجماتٍ نوعية غير مسبوقةٍ من قبل إسرائيل في لبنان جنوباً والضاحية الجنوبية لبيروت؟


أين صواريخ طهران للدفاع عن حزب الله في أشرس هجوم تشنّه عليه تل أبيب؟ أين وحدة الساحات مرة جديدة؟
 

فهمنا أن طهران غسلت يديها من دماء حماس في قطاع غزّة يوم 7 تشرين الأول لأنها لم تُستَشر ولم توضع في أجواء عملية “طوفان الأقصى”، فكان ما كان من بيع رأس حماس لإسرائيل وغسل طهران يديها من الحركة ومن “الجهاد الإسلامي”، وتدمير القطاع تدميراً مريعاً وقتل شعبه وتهجيره، تدميرٌ لم يبقِ حجراً على حجرٍ بينما لم تتحرّك الكرامة الإيرانية إلا عندما قُصفَ مقرٌّ ملحقٌ بالسفارة الإيرانية في دمشق بمسرحية صاروخية “هزلية” ليل ذاك الثالث من نيسان الماضي … ثأراً للسفارة الإيرانية في دمشق … لا لهجوم إسرائيل على غزّة وتدميرها وقتل شعبها …
 

أما اليوم في لبنان، ومع حزب الله “درة التاج”، ومع أن إيران كانت على علمٍ منذ الثامن من تشرين الأول الماضي بتدخّل حزب الله في حرب إسناده لغزّة، فها هو الحزب ومعه لبنان ينتقلان من معركة إسناد الى حربٍ مباشرةٍ تشنّها إسرائيل على الحزب وعبرَه على لبنان … فأين إيران؟


نحن نعلم أين إيران من كل هذا … نحن نعلم، وكنا نأمل من الغير أن يعلم كما نحن نعلم …خصوصاً مَن يسمّون أنفسهم “حلفاء المحور” و”جمهور وقيادات المحور”، أي محور المقاومة والممانعة … لكنهم لا زالوا حتى الآن غافلين … لا يقوَون على رؤية الحقيقة الماثلة أمامهم …حقيقة أن سلاح إيران هو للدفاع عن إيران فقط … لا عن ميليشيات ولا عن وكلاء إقليميين ولا عن أي حليف لإيران في المنطقة …حقيقة أن إيران لا تأبه لا للقدس ولا لطوفانه ولا لمحاور ميليشياتها طالما لم تتعرّض هي مباشرةً للخطر …حقيقة أن إيران تستغلُّ وتستخدمُ ميليشياتها لتحقيق أهدافها هي لا أهداف وكلائها الإقليميين، وهي قادرةٌ بكل سهولةٍ على التخلّي عن أنيابها الإقليمية عندما تصل الى مبتغاها ومصالحها …حقيقة أن النظام الإيراني تلقّف الرسالة بأن دوره الإقليمي بدأ ينتهي واللعبة انتهت( game is over)، فالولايات المتحدة الأميركية والغرب الحليف وضعا حدّاً للعبة المقامرة والمغامرة في المنطقة، وهما يريدان سحب الأوراق التي أُعطيت للنظام الإيراني طوال الأربعين سنة الماضية لمعاقبتها على وقوفها الى جانب روسيا فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، وصولاً الى إعطاء إسرائيل “الضوء الأخضر” الذي بات أسهل من قبل بضرب البرنامج النووي الإيراني والإفساح في المجال أمام قضاء إسرائيل على حزب الله في مرحلة أولى، تليها مهاجمة المفاعلات النووية الإيرانية …
 
الغرب لا يريد مفاعلات نووية إسلامية … وهو قَبِلَ على مضضٍ النووي السنّي الباكستاني كرمى لعيون حلفاء واشنطن الإقليميين التاريخيين الذين موّلوا ودعموا ذاك النووي حينها…
 

إيران اليوم باتت مدركةً أكثر للثمن الذي عليها تسديده مع عودة الولايات المتحدة الأميركية الى المنطقة من الباب العسكري والديبلوماسي والاستخباري الأوسع، وبالتالي عليها الموافقة على الحدّ الأدنى المتمثّل بالحفاظ على نظامها وعدم التعرّض له، في مقابل خروجها من التحالف مع روسيا وتجميد البرنامج النووي وتخلّيها عن التحالف مع الصين وانكفائها الى حدودها الجغرافية وتسليم رؤوس ميليشياتها والانضواء تحت عباءة واشنطن التي تحتاجها لشرق آسيا وتحدياتها …
 
أين إيران؟
 
الجواب بسيط جداً: إنها أمام لحظة الاختبار الصعب … ولذا فإسرائيل مستمرةٌ بغطرستها في غزّة كما في لبنان … وترسانة واشنطن البحرية التي كانت قد بدأت بسحب جزءٍ منها تعود الى المنطقة وعلى رأسها حاملات طائرات فتّاكة ومدمِّرة … كلها رسائل واضحة تلقّفتها القيادة الإيرانية وتتعاملُ معها بالحذر والمداراة مشرّعةً أبوابها للتفاوض والصفقات على نار حامية، فيما لبنان بدأ يحترق كما احترقت غزة …
 
ومع ذلك، هناك مَن يطالعنا في لبنان، سواء الحكومة المستقيلة أو الإعلام أو بعض السياسيين باتهام إسرائيل بتجاوزها الخطوط الحمر وإسقاطها قواعد الاشتباك … إذ هم كالتائهين الذين فاتهم حتى الآن أين أصبحت بوصلة اللعبة الإقليمية وكيف تغيّرت قواعد اللعبة وسقطت الحسابات السابقة كافةً … كما بوصلة راعيهم الإيراني صاحب القرار الفصل بمصيرهم في مكان آخر وعلى مستويات أخرى …


 فالرئيس بزشكيان لم يقلها من فراغ بأن الأميركيين أخوةٌ للإيرانيين” … فهل من صراحةٍ ووضوح أكثر من ذلك سوى لمعمّيي البصيرة الذين لا يريدون أن يفهموا …
 
بموازاة كل هذا، ومع التفوّق التكنولوجي العسكري والأمني والاستخباراتي المخيف لإسرائيل، مَن قال إن دول المنطقة والخليج خصوصاً لا ينظران بقلقٍ الى هذا التفوّق، ويجعلهم شيئاً فشيئاً يقفزون لاستنتاجاتٍ ليس أقلها أوان السير في حلول سلمية للمنطقة تعيدُ الأمن والاستقرار للنظام الإقليمي …
 
إن كان ليحيى السنوار من فضلٍ منذ السابع من تشرين الأول فهو بأنه كشفَ حقيقة محور التكاذب والمقاولة في المنطقة بدءاً من كشف رأس المحور في إيران وزيف إدعاء تحرير القدس والزود عن فلسطين … ورمي إسرائيل في البحر … وصولاً الى إدعاء محورٍ هشٍّ ومصلَحي تبيعُ طهران أغصانه وأعضاءه على مراحل من أجل بقاء نظامها .

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: