في معظم الاحيان يربح رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في السياسة، ويعرف جيداً كيف يقطف ثمارها، لذا تتوالى إنتصاراته وتتضاءل خسائره التي يستفيق سريعاً لمنع حصولها، لكن في الفترة الاخيرة وبالتزامن مع بعض “التخبيصات” السياسية، لم يعد رئيس “التيار” يعلم على أي درب سياسي سيسير، فهو جرّب الكل ولم يفلح في استمالة الحلفاء حتى أمد بعيد، إذ كان التأرجح مسيطراً دائماً، إنطلاقاً من معاداته للبعض ليحصل على ودّ البعض الآخر، لذا مشى على الطرقات السياسية الوعرة، فلم يبقَ له صاحب في السياسة، حتى طالت خلافاته مع حليفه الوحيد أي حزب الله، كما تواصل تدهور علاقاته مع الأحزاب المسيحية، الأمر الذي جعل “التيار” وحيداً وبعيداً من أي حليف مسيحي، وخصوصاً الركن الأبرز على الساحة أي “القوات اللبنانية”، كذلك الأمر بالنسبة لتيار “المردة”، خصوصاً بعد ترشح رئيسه سليمان فرنجية الى المركز الاول.
كما لم تكن علاقته على خير ما يرام مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وإن كانت في الظاهر بدت منذ فترة في أحسن حالاتها، لكن الكواليس السياسية تؤكد أنّ الرجلين لا يرتاحان لبعضهما، اما العلاقة مع نواب التغيير فحدّث ولا حرج، لانّ تبادل الانتقادات والردود مسيطر دائماً، ولم يسلم معظم النواب السنّة والدروز من “لطشات” باسيل في بعض الاحيان.
هكذا يمكن إختصار علاقة رئيس “التيار” مع الافرقاء السياسيين، لكن حين تتواجد المصالح الخاصة المشتركة تغيب الانتقادات من قبل الجانبين، اما في الامس القريب فبرز إسم “التيار” في طليعة الخاسرين سياسياً، لانّ نواب كتلة “لبنان القوي” لم تصوّت لوصول قائد الجيش العماد جوزاف عون الى الرئاسة، فوُجهّت لـ”التيار” الانتقادات خصوصاً من الشارع المسيحي، لانه غرّد خارج السرب، لذا سارع باسيل وإستلحق نفسه وتياره ليعود من جديد الى الساحة، مسترجعاً شعاراته القديمة التي دافع خلالها عن حقوق المسيحيين وضرورة إسترجاع قرارهم، فتنبّه الى عدم وقوعه في العزلة، خصوصاً بعد الإنقلاب السياسي الذي رافق التكليف الحكومي قبل ساعات من بدء الاستشارات، بحيث غاب تنسيق باسيل مع البعض، ما قلب الاوضاع رأساً على عقب في الاطار الحكومي، فتحوّل “التيار” وكتلته النيابية الى بيضة قبّان ساهمت في وصول نواف سلام الى السراي، وتغيّر خطابه الى الايجابية والانفتاح على بعبدا والسراي لكن ليس بالمطلق انما على القطعة، فخرج من إستشارات التكليف ليعلن انه لن يساير أحداً بعد اليوم، ولن يسمح لأحد ان يؤثر عليه، غامزاً من قناة تفرّد حزب الله بقرار دعم فرنجية الى الرئاسة، مروراً بعدم الإلتزام بالاتفاق الذي توصلوا اليه قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية، ومع ذلك إلتزم باسيل بعدم التصويت للعماد عون، فيما لم يلتزم الثنائي بشيء، الامر الذي ادى الى تباعد التنسيق في ملف التكليف.
في غضون ذلك، بدا باسيل ضمن “لوك” سياسي جديد، عرف من خلاله كيف يحفظ خط الرجعة ويتفادى الخسارة الكبرى، لذا إستطاع بذكاء الحفاظ على مصلحة تياره في الدقائق الاخيرة، مصوّباً إتجاهاته ولو بلفتة نحو المعارضة، ما فتح باباً جديداً أمامه سيتم لاحقاً الإستعانة به عند الضرورة كما حصل خلال التكليف، وإلا لكان عاد القديم الى السراي، ووتفاقمت خسائر رئيس “التيار”، لكنه عرف جيداً كيف يطلق إندفاعة نحو العهد الجديد، لا شك ستوصله الى الدروب المعبّدة.