ليلى سعد.. إلى اللقاء يا معلمة الحكمة والعطاء

leila

كتب كاهن رعية الشويفات للروم الأرتوذكس الياس كرم:

بقلوب مفعمة بالوفاء والذكرى، نودع أسطورةً من أساطير التربية والتعليم في لبنان والعالم، السيدة ليلى شارل سعد، المولودة بدّورة، التي رحلت إلى بارئها بعد مسيرة عطاء حافلة، ومسيرة مضيئة قادت خلالها بمهارة وحكمة مدرسة الشويفات الدولية إلى مصاف أبرز الصروح التعليمية.

حملت المشعل بعد رحيل زوجها المربي والنائب السابق شارل سعد، الذي ورث بدوره هذا الصرح التربوي العريق عن والده القسيس طانيوس سعد. فأخذت بزمام المبادرة، وأضفت على المدرسة طابعاً عالمياً تحت مظلة مدارس SABIS، لتصبح منارة معرفة يشع ضياؤها بعيداً.

يكاد العجز يعتري الكلمات عندما نحاول سرد سيرة السيدة ليلى، فهي بحق مثال المرأة الفاضلة التي وصفها سفر الأمثال (الإصحاح 31). كانت كنزاً لا يُقدر بثمن، تفوق قيمتها الجواهر واللآلئ، جمعت بين الحكمة النادرة، والعمل الدؤوب، والإخلاص العميق. اهتمت ببيتها وأسرتها، وامتدت يداها بالخير إلى الفقراء والمحتاجين.

عرفها المقربون منها سنداً قوياً لزوجها، صانعةً للخير، لا تعرف الكلل في عملها، مجتهدةً في إدارة شؤون مؤسساتها ببراعة وإتقان. كانت كبيرة في تواضعها، مهيبة في وقارها، إذا دخلت مجلساً سكنت الأصوات إجلالاً لها، وانحنت الهامات إكباراً لمكانتها.

كلما جالستها، وجدت نفسي أغوص في بحر من الحكمة والبلاغة، تبحث عن كلمات تليق بعظيم شأنها. كانت الحكمة تُفيض منها، وكلماتها تحمل في طياتها بهاء المعرفة والفهم.

لم تكن فقط قائدة حكيمة، بل كانت معطاءةً، مشجعةً لكل من حولها، غاليةً الود، أمينةً على ذاكرتها وتاريخها. تقيةٌ تخشى الله، جمعت إلى ذكائها الحاد وسرعة بديهتها حنكةً وخبرة جعلتاها تتقن استثمار الظروف، وتتعامل مع الأمور بواقعية ومنطق، دون أن تفقد رقة مشاعرها وإنسانيتها.

بعد محنة الحرب، وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي، قادت بنفسها حملة إعادة ترميم المبنى التاريخي للمدرسة في الشويفات، ليعود أكثر بهاءً وإشعاعاً، وأضفت عليه لمساتها الخاصة، وحولت جزءاً منه إلى متحفٍ صغيرٍ يحكي قصة تاريخ عريق.

قبل أكثر من عقد، حين دعوتها لتكريمها في فضاءات كنيسة مار ميخائيل المدبّر في ضهور الشويفات - ذلك المكان العزيز على قلب زوجها ومؤسس المدرسة - رفضت فكرة التكريم بتواضعها المعهود، لكنها قبلت اللقاء بمحبة، قائلةً: "احترم يا ابونا دعوتك، وسألبيها علّي أقطف الزعتر في تلة المدبّر، كما كنّا نفعل في الأيام الخوالي". ليفهم الجميع أنها كانت رائدةً في الاهتمام بالبيئة والتواصل المجتمعي، سابقة لعصرها في رؤاها وأنشطتها.

بذكائها الفذ وعقلها المتقد، استطاعت ليلى سعد أن تتحمل المسؤولية الجسيمة بعد رحيل زوجها، فحددت أولوياتها بوضوح، وواجهت التحديات بحكمة، واتخذت القرارات بحسم، وكانت تتحمل نتائج أفعالها بكل شجاعة وثبات.

ترحل عنا السيدة ليلى وتترك في القلب حسرةٌ، وفي العين دمعةٌ على تاريخٍ ينطوي آخر فصل من فصوله مع رعيلٍ من العظماء الذين لا يتكررون.

ارقدي بسلامٍ في تراب الشويفات، إلى جوار زوجك الحبيب، بين أحضان الأهل والأحبة في مدفن العائلة. ونحن على ثقةٍ تامة بأن هذه الإمبراطورية التعليمية، التي أسسها القسيس طانيوس، وأضاء مشعلها شارل، وأمتدت بها ليلى، ستبقى نبراساً يضيء دروب المعرفة والتربية والإبداع.

نحن أبناء الشويفات، ننحني إجلالاً لهذا الصرح، ولمن قادوه برؤية وإيمان. طانت ليلى - كما عهدنا مناداتك - ستبقين في ذاكرتنا. اعذرينا إن قصرنا في تحقيق كل ما حلمتِ به. لن نودعك، بل سنقول: إلى اللقاء.. تحت ظلّ الرجاء، والقائم من بين الأموات.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: