مأزق السلاح الإيراني في لبنان وفشل حزب الله الذريع   

jesh hzb

مع بدء المفاوضات الذي يقال إنها حوار بين الرئاسة الأولى وحزب الله، إذا بإيران تفاوض واشنطن على استثمارات أميركية بالمليارات وقد كان الإيراني المبادر للتفاوض مع إدارة الرئيس دونالد ترامب استدراكاً لخططه العسكرية لضرب البرنامج النووي.

في هذا السياق نوضح الآتي:

أولاً: إن التفاوض هو مصلحة إيرانية بالدرجة الأولى لأن الأميركي لا يضرّه ضرب البرنامج النووي وفقاً للنظرة الاسرائيلية سواء عقدت المفاوضات أم لم تعقد وسواء أسفرت عن نتائج أو لم تثمر.

ففي الحالتين سوف تخرج بالحد الأدنى من دون برنامج نووي وفي أحسن الأحوال ببرنامج نووي مدجن مدني لا يعود مصدر تهديد إقليمي.

ثانياً: ما ترمي إليه ايران قبل كل شيء هو الحفاظ على رأس النظام وخليفته بموازاة تحرير الأرصدة المالية الإيرانية المجمدة في الخارج، وبالتالي لا يجب التوقف عند المعلن بل التعمق في كواليس ما يجري والذي يترجم التأزم الحاصل في إيران، والذي ينعكس تأزماً لا بل مأزقاً لدى أذرع ايران في المنطقة وفي طليعتهم حزب الله المنقسم داخلياً بين من يدعو إلى استمرار المقاومة بحسب تعبيرهم، ومن يدعو إلى استخلاص العبر مما حصل والإقرار بالفشل في تبرير السلاح واستمراريته بعدما فشل في تحقيق كل أهدافه المعلنة وفق السردية التاريخية منذ عقود للحزب حول سلاحه ودوره، وقد عجز حتى عن الدفاع عن وجوده وحماية قيادييه وبيئته الحاضنة.

انطلاقاً من هذه المعطيات يمكن التوقف عند الملاحظات التالية:

الملاحظة الاولى أن الحزب منقسم بين من سلّم بنتائج الحرب ومن يريد الاستمرار في الحرب ولو انتحاراً وقد بات لدى هذا البعض سردية جديدة مفادها أن السلاح ملك المهدي محاولة يائسة بائسة لشد العصب الشيعي الذي بات يتلاشى رويداً رويداً أمام الانكشاف الواضح في الدور والفاعلية والمبررات.

الملاحظة الثانية أن المواقع شمال الليطاني هي إيرانية وليست تابعة للحزب وبالتالي نرى وجوب الطلب من إيران سحب هذا السلاح وليس من حزب الله انطلاقاً من اعتبار إيران دولة محتلة للبنان ينبغي تحريره منها ولا سيما لناحية تواجد الصواريخ البالستية ومنع حزب الله من استخدامها لأنها تابعة للحرس الثوري، ومن هنا نهنئ وزير خارجية لبنان السيد الحر والمستقل يوسف رجي للموقف الحاسم والحازم من السفير الإيراني في لبنان، الذي هو بمثابة المفوض السامي للحرس الثوري الايراني في لبنان، والذي يضرب بعرض الحائط الأصول الديبلوماسية وبمبادئ احترام سيادة واستقلال لبنان ويبيح لنفسه التدخل كما اعتادت قيادته في طهران بالشأن اللبناني خاصة في دعم السلاح غير الشرعي لحزبه في لبنان وتحديد توجهات للمسماة مقاومة وسواها من مواقف تعتبر بكل وضوح تدخلاً في الشأن اللبناني.

الملاحظة الثالثة أن المفاوضات الأميركية الإيرانية ستنجح لأن الإيراني مستعد للقبول بالشروط الأميركية في مقابل ضمان استمراره ولأن طهران بحاجة للمال ولبقاء رأس النظام علماً أن فشل المفاوضات يبقى احتمال ممكن إذا ما تمكن الجناح المتشدد في طهران والمدعوم من المرشد والحرس الثوري من التغلّب على التوجه الانفتاحي والمساوم مع الاميركيين، ما قد يعزز من فرص إسقاط النظام من الداخل مع تفاقم النقمة الداخلية واستمرار المظاهرات الشعبية المنددة بالنظام وسياساته التي جوعت الشعب وضربت الاقتصاد.

الملاحظة الرابعة أن حزب الله لم يكن ليوقف حربه لولا تسليم اسرائيل خرائط مواقع حزب الله وقد تم التنسيق من خلال اللجنة العسكرية العليا المولجة الإشراف على تطبيق اتفاق توقف الأعمال العدائية المبرم في تشرين الثاني الماضي وبالتالي عكس كل ما يقال ويشاع فإن الحزب الإيراني في لبنان سلم جنوب الليطاني لكونه من جهة لم يعد يأمل بأي دور له في استعادته من الاحتلال الاسرائيلي بعدما كسر التوازن العسكري بالقضاء على ثلثي ترسانة الحزب العسكرية، ومن جهة أخرى لكون المعادلة الاقليمية مرتبطة بمسار التفاوض بين طهران وواشنطن وهذا المسار يتطلب حفظ أوراق لإيران للمقايضة بها مع الأميركي.

وبالتالي إن الاستراتيجية الأمنية بمثابة إتفاق مع الحزب على تسليم خرائط المخازن والمنشآت العسكرية الاستراتيجية للدولة لتصبح بعهدة وحراسة الجيش اللبناني لتطبيق حصر السلاح بيد الدولةً كهدف اساسي أول للأمن القومي للبنان تمهيداً بذلك لتمكين أميركا الطلب من إسرائيل الانسحاب إلى خلف الخط الازرق والبت النهائي بالحدود البرية في ظل أخذ المملكة العربية السعودية على عاتقها حل عقدة مزارع شبعا.

ففي نهاية المطاف اتفاقية الهدنة تبقى الملاذ الأخير والذي لا مفرّ من العودة إليها وقد كانت شاء من شاء وأبى من أبى أول معاهدة سلام بين البلدين مساحة الحدود المنزوعة السلاح على الجهتين 7 كلم من كل جهة وهو في الحقيقة ما تطالب به إسرائيل حالياً وبالتالي بتنفيذ الهدنة يتأمل استقراراً وسلاماً واستثمارات عربية ودولية.

الملاحظة الخامسة تتعلق بالدور السعودي: فمع سقوط الممر الايراني تدخلت الرياض باتجاه البقعة التي استخدمها الإيراني لضرب السعودية والرياض، فالسعودية تريد كورديرو الإنماء لحماية مشاريعها الانمائية والمعمارية المستقبلية على امتداد المنطقة ولذا بات شبه ممنوع عودة الفوضى إلى هذه البقعة انطلاقاً من معادلتين:

الإولى إنهاء التهديد الإيراني لأمن واستقرار المنطقة والثانية تخفيف النفوذ التركي في المنطقة ومن هنا كان الدخول السعودي إلى سوريا وإدخال الإمارات إلى سوريا من بوابة الرياض خاصة بعد رحيل نظام بشار الأسد وإحلال نظام اسلامي اقرب للتفاهمات والعروبية.

ومن هنا فإن السعودي سيدخل شريكاً في لبنان لخدمة رأسماله ومنع استخدام أي ممر إخواني أو تركي في المستقبل القريب والمتوسط.

الملاحظة السادسة: 25 أيلول تبدأ الحملات الانتخابية للإنتخابات الإسرائيلية وهي من أصعب الانتخابات وبالتالي من الآن وحتى ذلك اليوم إذا لم يكن لبنان في وضع مستقر ومستتب فالأرجح أن نواجه حرباً جديدة قبل هذا التاريخ علماً ان عملية طوفان الأقصى استكملت المشروع الإخواني لتدمير القضية الفلسطينية ضرباً لمشروع أوسلو الذي قاده عرفات لإقامة دولة، لكن الفكر الإخواني دمر المشروع بتقاطعه مع مشروع إيران وحزب الله لمنع التطبيع العربي السعودي مع إسرائيل فكان ما كان.

الملاحظة السابعة: اعترافات أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم الأخيرة بأن إسرائيل الأقوى وبأن لا مجال للتغلب عليها عكست عمق مأزق سلاح الحزب ومأزق دوره إذا نظرنا إلى السلاح كشرط لا بل مبرر لاستمرار الحزب ما يرسي قواعد تعاون سياسي بين الرئيس جوزف عون والرئيس نبيه بري الذي يؤلمه رؤية ما بناه خلال 40 عاماً في الجنوب مدمراً من حزب الله خلال 66 يوماً وقد رددها بري يوم انتخاب عون 3 مرات: “إعمار الجنوب”.

من هنا فإن كلاً من عون وبري ينزعان الذرائع من الحزب ويعدّان العدة للانفتاح على سوريا بدعم سعودي، ومن ضمن أهداف زياراة الشيخ يزيد بن فرحان متابعة تشكيل لجنة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا وحل مسألة الغجر.

فالحزب أثبت فشل كل رهاناته وآخرها وحدة الساحات في حرب إسناده وهو قَبل باتفاق ذلّ مع الاسرائيلي فضلاً عن اتفاق ترسيم بحري فاشل فيما لو طبق اتفاق 17 أيار لكان الخط البحري للبنان 29 باعتراف إسرائيل نفسها بينما مع اتفاق ترسيم الحدود البحرية بفضل حزب الله انتقلنا إلى الخط 23 وقد اعتبر انجازاً بنظر الحزب.

فاليوم لم يعد لاسرائيل مشكلة بالنقاط الـ13، فنقطة B1  وتلة العديسة التي هي منطقة كاشفة وقد عرضت إسرائيل على لبنان بين العامين 2012 و2014 عبر الموفد الأميركي آموس هوكشتاين تبادل أراضي وإعطاء لبنان ضعف المساحات المقتطعة لكن الآن باتت تل أبيب في مكان آخر وأمام أولويات أخرى.

ومن نتائج فشل الحزب وسلاحه في سياساته ذاك الاتفاق البحري الذي سجل في الامم المتحدة كمعاهدة دولية أملت اعترافاً سياسياً وقانونياً وشرعياً واضحاً بدولة إسرائيل ليأتي اتفاق وقف الأعمال العدائية في تشرين الثاني الماضي ويكشف عمق أزمة الحرب وسلاح إيران في لبنان كجزء من المأزق الإقليمي لهذا السلاح.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: