“اتصلوا بنا وقالوا: ليس لدينا خيار علينا أن نضربكم لحفظ ماء الوجه!! (بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني).. وأنا فهمت ذلك، لقد ضربناهم، عليهم أن يفعلوا شيئاً، وقالوا: سنقوم بإطلاق 18 صاروخاً على قاعدة عسكرية معينة لديكم، لكن لا تقلقوا، لن تصل الصواريخ إلى القاعدة.. هل تتذكرون تلك الليلة؟ كنت الوحيد الذي لم يكن متوتراً لأنني كنت أعرف ما سيحدث. خمسة من الصواريخ التي أطلقتها إيران حلقت فوق القاعدة، وباقي الصواريخ انفجرت خارج منطقة القاعدة، لم أتكلم عن هذه القصة من قبل، وتكلمت بها الآن لتعرفوا الاحترام لأمتنا وبلدنا”.
الرئيس السابق دونالد ترامب في 6 تشرين الثاني 2023: “لم يشذ ما كشفته وكالة رويترز في 25 آب 2024 عن دبلوماسيَّين عن “تبادل رسائل بين الحزب وإسرائيل” عن أن الجانبين لا يريدان حرباً شاملة وان ما جرى في الخامس والعشرين من شهر آب 2024 عن فحوى ما قاله ترامب كما لا يشذ ما نقلته الوكالة نفسها عن مسؤول في الحزب عن “أن حزبه عمل على التأكد من أن الرد على اغتيال القائد العسكري فؤاد شكر لن يؤدي لاندلاع حرب شاملة، وان الرد تأخر لأسباب سياسية أهمها محادثات التهدئة في غزة”.
كثيرة هي الأمثلة المشابهة ومعبّرة هي الوقائع على الأرض المغايرة والبعيدة مما يخرج من الحناجر وما تتناقله الوسائل الاعلامية وما يلقى على المنابر على السن أولياء الممانعة وأذرعهم في المنطقة والعالم، هذه الوقائع تمليها المصلحة الايرانية العليا على الاتباع والتي غالباً ما تلتقي او تتقاطع او حتى تهادن مصلحة الشيطانين الأكبر والأصغر أعني بهما الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
الجميع يتذكر الردّ الايراني على قصف القنصلية الأيرانية في دمشق وكأنه محاكاة متطابقة لما فصّله الرئيس السابق للولايات المتحدة الاميركية عن الردّ على مقتل سليماني إذ إن الرد على قصف القنصلية كان متوقعاً بالشكل والمضمون والتوقيت ومتواضعاً بالنوعية والكمية وهزيلاً بالقوة مما حفظ ماء وجه إيران ولم يؤذ الدول العدوة مبدئياً والمتقاطع والمتفق معها فعلياً.
الجميع أيضاً ينتظر الرد الإيراني “المحسوب” على اغتيال هنية في طهران على ما يصرّح به الإيرانيون وعلى ما يستشرف منه المراقبون من السوابق واللواحق ولن يكون آخرها رد الحزب الأخير والذي أطلق عليه حسن نصرالله “يوم الاربعين” هذا الرد الذي لم تظهر نتائجه الحقيقية على الأرض وقد لن تظهر ساير وراعى ضوابط كثيرة عبّر عنها مسؤول الحزب لرويترز كما قرأنا كما عبر عنها صراحة أمين عام الحزب بعدم استهدافه المدنيين الاسرائيليين رداً على استهداف العدو للمدنيين اللبنانيين، وعدم استهداف تل أبيب رداً على استهداف الضاحية وبالتزامه بقواعد الاشتباك من طرف واحد كما باكتفائه بالرد غير المتناسب وغير الموازي لاغتيال المسؤول العسكري الاول في الحزب فؤاد شكر والذي كُشِفَ قبل نصف ساعة من تنفيذه على ما أقر به نصرالله نفسه او ربما سُرِّب على نفس سيناريو الرد على مقتل سليماني حفظاً لماء الوجه وحفاظاً على المصالح المشتركة والمتقاطعة.
إن الايقاع الايراني المفروض على ساحات محور الممانعة هو من حتّم على اللاعبين – الدمى أداءهم العسكري كما حتم عليهم توحدهم تارة وتفردهم تارة أخرى من مثل ما قام به الحزب منفرداً برده عزاه نصرالله في خطابه لـ”حكمة” واعتبارات لم يحددها لأنها بيد صاحب الأمر والنهي وله وحده ترتد الفائدة من رد ممانعيه المدروس المحسوب أو حتى عدم ردهم.
إن أفضل من وثق وأرّخ وكشف مراوحة الموقف الايراني من “أمريكا” واسرائيل بين العداء والحلف والذي ترجم في أدائه واداء الحزب والاتباع هو الكاتب الايراني الاميركي الدكتور تريتا بارزي وكتابه “حلف المصالح المشتركة – التعاملات السرّية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة” والذي يقول في صفحته 141: “بدا واضحاً بشكل متزايد أن خطاب إيران المعادي لإسرائيل لا يتطابق مع سياستها الفعلية”.
وهذا ما يبدو واضحاً وجلياً حتى اليوم.