لست في وارد الدفاع عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ولكن لا بدّ من طرح الوقائع التي تنصف تلقائياً الرجل وقضية النازحين التي يحملها والوقائع الأخرى التي تدين محور الممانعة وحليفه الموضوعي التيار الوطني الحر ومؤسسه ورئيسه وتكتله النيابي والجوقة المرافقة عند كل استحقاق للإستثمار السياسي به حتى وصل بهم الأمر إلى الإستثمار في قضية اغتيال مسؤول “القوات” في جبيل باسكال سليمان في أقبح صورة للإستثمار السياسي.
صحيح أن القوات اللبنانية احتضنت النزوح السوري في بداياته سياسياً وإنسانياً وأخلاقياً، ولكن الصحيح أيضاً هو أن تعداد هذا النزوح كان بعشرات الآلاف وليس بالملايين كما هو اليوم، والصحيح أيضاً أن رئيس القوات طالب بإنشاء مخيمات وأماكن تجمّع محددة لإيوائهم في ذلك الحين، والصحيح أيضاً أن جعجع طالب منذ أكثر من ست سنوات وقبل استفحال أزمة النزوح بإيواء النازحين في المناطق الآمنة في الداخل السوري، والصحيح أيضاً أن القوات قامت بخطوات عملية للحدّ من مخاطر النزوح ودعت إلى ضبط الحدود ومنع تهريب الأفراد، وطالبت القوات كذلك بإعادة النازحين السوريين الذين انتخبوا بشار الأسد منذ ثلاث سنوات إلى سوريا وحدثت حينها مواجهات في نهر الكلب بين مواطنين لبنانيين وسوريين يرفعون صور بشار الأسد والأعلام السورية، إضافة إلى مبادرة القوات إلى ضبط الوجود السوري وحصره في القرى والبلدات حيث تتمتع القوات بحضور وازن في البلديات على غرار قضاء بشري وفي بلدات أخرى، كل ذلك فعلته القوات من خارج السلطة الرسمية؛ ومن داخل السلطة أدّى تطبيق وزير العمل القواتي كميل أبو سليمان لقانون العمل إلى الحدّ من العمالة السورية بشكل كبير وفوري ومنع السوريين من مزاولة أعمال هي حصراً من حق اللبنانيين.
هذه الوقائع تدحض “خبريات” التيار الوطني الحر الإستثمارية المعدومة المسؤولية عند كل كارثة وأزمة تعصف في البلاد، ولا بدّ لنا من الإشارة من دون الإشادة بأن التيار كسر المثل الشعبي القائل إن “حبل الكذب قصير” وأثبت قدرته على مدّ الكذبة على مدى عقود من الزمن البائس وهبوط المستوى السياسي في لبنان.
لكن لنعد إلى الوقائع الأخرى التي تدين التيار الوطني الحر وشركائه وحلفائه في مسألة النزوح، أولاً لنذكر النقاط الرئيسية للدلالة على وضعية التيار، هو صديق لرئيس النظام السوري بشار الأسد المسبب الأول للنزوح، والتيار حليف حزب الله الذي تدخّل في سوريا لصالح الأسد وقام بحملة تطهير طائفية نزح بنتيجتها عدد كبير من السوريين السنة إلى لبنان، كما أن حزب الله هو من يسيطر على معظم الحدود اللبنانية السورية والتي يتم تهريب السوريين من خلال معابرها غير الشرعية مقابل بدل مالي وتدير هذه العملية عصابات مرتبطة بحزب الله، أو ربما الموساد الإسرائيلي.
أما المسؤوليات المباشرة التي تقع على عاتق التيار الوطني الحر حول النزوح السوري والتي بدأت في العام ٢٠١١ تزامناً مع سيطرة التيار وحلفائه بشكل مطلق على السلطة التنفيذية بأكثرية وزارية وصولاً إلى استلامه رأس السلطة بتسلّم العماد عون زمام قصر بعبدا وإلى جانب السلطة التنفيذية تمتّع التيار بأكبر تكتل نيابي، فماذا فعل وماذا قال حول النزوح حتى الأمس القريب، وصحيح هو الآن يحذّر ويقول من دون أن يفعل، هذا التحذير وهذه المخاطر هي نتاج إهمال متعمد ومتمادي بلغ حدّ التواطؤ في معالجة مسألة النزوح، لم يجد حرجاً الرئيس السابق ميشال عون في زيارة الأسد منذ أقل من عام للتوصية بصهره، فيما لم يجد داعياً طيلة سنوات عهده في زيارة الأسد لحثّه على إعادة النازحين، أقلّه الموالين له، ولم يجد باسيل طيلة سنوات وجوده وزيراً للخارجية في إيجاد حلّ لهذا الملف مع الدول والمنظمات المعنية خلال حوالي ٢٠٠ زيارة خارجية قام بها كانت الغلبة فيها لصالونات الشرف. كان العهد وصهره منشغلين بمهاجمة قائد الجيش العماد جوزف عون، وبعرقلة التحقيق بتفجير مرفأ بيروت، ولو قاموا بجزء يسير من الجهد الذي بذلوه في ملف رياض سلامة لما كان موضوع النزوح قائماً اليوم، ولو أوقفوا تشكيل حكومات كرمى لمعالجة ملف النازحين بدل عيون الصهر لانتهى الأمر منذ زمن، واليوم تحديداً لو شاؤوا المعالجة لتلقفوا كلام جعجع وتعاونوا مع تكتل “الجمهورية القوية” من أجل إنجازه عوض التغريد مثل نسوان ورجال الفرن.