بغض النظر عن حجم الصفقات التجارية المهولة التي أبرمت بين الولايات المتحدة الاميركية وكل من المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، يمكن استخلاص العديد من الانجازات الأخرى لزيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب للمنطقة والتي لا تقل اهمية وحجماً وتاريخية والتي يمكن بحق ان تشكل فاصلاً نهائيا بين ما قبل وما بعد لاكثر من سبب.
أولاً: الجولة الرئاسية كرست عودة واشنطن الجمهورية إلى المنطقة من البوابة العريضة للاستثمارات والصفقات التجارية الضخمة والاهم من بوابة التكامل الاستراتيجي والسياسي والعسكري بين اميركا ودول الخليج ومن خلالهما دول المنطقة العربية، تلك العودة التي اثبتت مرة جديدة ان المنطقة العربية ودول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية “جمهورية” الهوى والنهج والمصالح، ولذا فإن النظرتين الجمهورية والديمقراطية تنازعتان على ارض الخليج لتفوز الجمهورية المحافظة على الديمقراطية الليبرالية.
ثانياً: تلك الجولة كرست اولوية مصالح دول المنطقة على مصالح سواها كإيران وتركيا وأعطت العرب برئاسة السعودية مفاتيح استعادة مصيرهم بأيديهم وتحديد الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه القادة الخليجيون والعرب بعيداً عن اجواء الصراعات السابقة التي لطالما قسمتهم شوكة ايران.
ثالثاً: تلك الجولة كرست ليس فقط التحالف الاستراتيجي والامني والدفاعي والعسكري والاستخباري بل وأكثر التكامل الاقتصادي والتجاري بما يساهم في خلق الظروف الملائمة للتمهيد للتطبيع الاقليمي مع إسرائيل ولحل مقبول للقضية الفلسطينية.
ويلاحظ في هذا السياق ان الرئيس ترامب استبعد إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو عن جولته وعن المقررات والمواقف التي اطلقها لدى كل من الرياض وخلال القمة الخليجية الاميركية وكانت احدى نتائج هذا الاستبعاد افراج حماس عن رهينة اسرائيلية اميركية في بداية جولته الرئاسية.
وقد يكون هذا الاستبعاد تكتيكياً اكثر منه استراتيجي لأنه في النهاية لا تستطيع واشنطن تجاهل مصالح إسرائيل ومن هنا لا نستبعد ان يكون ثمة تنسيق بين الطرفين الاميركي والاسرائيلي لتمرير صفقات مع العرب والخليجيين تمهيداً لاعادة التوازن في العلاقات الاقليمية والدولية ما يتيح الانتقال إلى مراحل متقدمة باتجاه السلام والاستقرار والازدهار الاقليميين.
رابعاً: تلك الجولة لم تقتصر في مفاعيلها على مصالح اميركا مع الدول التي شملها ترامب في جولته بل تعدتها إلى ابعد منها وقد كان للملفين السوري واللبناني حيزاً هاماً ادى فيما ادى اليه انه طبع العلاقات الاميركية السورية ورفع العقوبات عن سوريا وأطلقت يد النظام السوري برئاسة احمد الشرع نحو بدء مسيرة النهوض والبناء والإعمار في سوريا فيما الملف اللبناني وكأن واشنطن سلمته كلياً للسعوديين والحضن العربي لاتمامه ووضعه على سكة الانطلاق نحو الاستقرار والإعمار والبناء بعد اتمام حصر السلاح وانجاز الإصلاحات المطلوبة ما قد يفسر عدم دعوة الرئيس اللبناني جوزف عون للرياض للقاء الرئيس ترامب على غرار الرئيس السوري بانتظار اتمام هذين الأمرين او الشرطين لبدء انطلاق مسيرة النهوض.
مهما يكن من أمر فإن الجولة الرئاسية الاميركية لدول الخليج دشنت فجراً جديداً للمنطقة يكون فيه للعرب زمام مصيرهم وأمورهم بدعم جمهوري مطلق ويكون للشرق الأوسط اسياده وتكون واشنطن قد استعادت العرب كلياً وقطعت الطريق على التمدد الصيني في المنطقة واطلقت مرحلة الحلول لقضايا الشرق الأوسط وصولاً للسلام والازدهار والاستثمارات الضخمة التي تنافس خط الحرير الصيني وتعيد إسرائيل إلى المنطق وإيران إلى الطاعة.