لينا البيطار
مثل “فقاقيع الصابون” التي تطوف فوق المياه ثم تتلاشى، سُحِبَ من التداول الإعلامي خبر إعداد مشروع إقرار ما يُسمى بقانون “الملكية غير المكتملة”، فانتفت “النقزة” التي تسبّب بها هذا الخبر “المسموم” لما له من تداعيات إجتماعية وديمغرافية خطيرة.
وللتذكير فقد نشرت بعض المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي خبراً مجهول المصدر أو بالأصح “مكتوم القيد” لأنه لم يتمّ تبنّيه من أي جهة سياسية أو حزبية وهو يفيد أن “العمل جارٍ على قدمٍ وساق من أجل إعداد قانون “الملكية غير المكتملة” والذي يسمح للنازحين من الجنوب والضاحية والبقاع ببناء مساكن موقتة على مشاعات الدولة لمدة خمس سنوات تحت إسم “أملاك غير مكتملة” لصار لاحقاً الى إقراره في الهيئة العامة لمجلس النواب، وقد عدّد الخبر المناطق المستهدفة بهذا المشروع وهي من لون طائفي واحد، ما يؤشر الى تصرّفٍ يوضع في خانة إثارة الفتن الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، وليبقى السؤال الأهم: هل ما جرى التداول به هو قانون أو مخطط “خبيث” تدرك الدولة خفاياه لكنها “تطنّش”؟!
بغض النظر عن مدى صحة ما ورد في الخبر المُشار اليه وعن أهدافه المبيّتة إن وجدت، فمن المجدي المعرفة أن 30% من مساحة لبنان هي ملكٌ للدولة وتغطي حوالي 852 مليون كيلومتر مربع وتُقدّر قيمة هذه الأراضي بنحو 50 مليار دولار، وبالاستناد الى سجلات وزارة المالية فإن أملاك الدولة العقارية تتراوح مساحتها بين 20 و25% من مساحة لبنان، هذا من دون احتساب التعديات من قبل أشخاص ومؤسسات على الأملاك العامة خصوصاً البحرية منها، إذ هناك مساحات شاسعة في بيروت وسائر المحافظات معظمها مهمل أو غير مستثمَر أو يجري استثماره على نحوٍ غير منتج، علماً أن التعديات على أملاك الدولة لا يحتاج للمعالجة القانونية بل الى إزالتها فوراً.
ومع عدم وجود نظام معلومات يُحدّدُ بوضوح بيانات عقارات الدولة وفق قانون الملكية العقارية رقم 3339/1930، هناك خمسة أنواع من أراضي الدولة بحيث أن المادة الأولى من هذا القانون تنصُّ على أن الأملاك العمومية تشمل جميع الأشياء المعدّة بسبب طبيعتها لاستعمال الجميع أو لاستعمال مصلحة عمومية وهي لا تُباع ولا تُكتسب ملكيتها بمرور الزمن، ومن الأمثلة على هذه الأملاك: شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل اليها الموج في الشتاء، الشطوط الرميلة، الأنهر وضفافها، أقنية الملاحة والرّي، المستنقعات المالحة المتصلة بالبحر مع الأرض المحيطة بها على مسافة عشرة أمتار، البحيرات والسدود البحرية والنهرية، قناطر المياه، الطرقات والشوارع والممرات، علماً أن القانون يشير بوضوح الى أن تخلّي الدولة عن أملاكها العمومية يتمّ عبر إصدار ما يُسمى “مراسيم الإسقاط” أي المراسيم التي تُسقط صفة المنفعة العمومية عن هذه الأملاك، ما يُشرّع التصرّف بها، مع الإشارة الى أن العدد الأكبر من هذه المراسيم (172 مرسوم جغرافي) صدر بين العامين 2005 و2021، أما مصرف لبنان المركزي فهو يمتلك “محفظة عقارية” ويصل عدد أملاك الدولة العقارية غير المبنيّة المسجّلة بإسمه 1037 عقاراً بين أميري وملك وأنواع أخرى.
قد يكون خبر التملّك غير المكتمل مجرد شائعة أو فكرة لا قيمة قانونية لها، لكن عندما نعرف أن الدولة لم تُجرِ أي مسح شامل لأملاكها وللأراضي اللبنانية بشكل عام منذ العام 1964 أي منذ 60 سنة، يمكننا أن نفهم فحوى المثل العامي الشائع “الرزق السايب بيعلّم الناس الحرام”..