من غزة إلى الضاحية.. منازل تُباع خوفاً من الحرب

tg-r6vl0ldvr0qi67la7af316bl1k3gtk0etq8yr138rk

بعد صراع طويل على هوية الأرض، دخلت غزة مرحلة وقف اطلاق النار والقتال الدموي مع إسرائيل. ومن حينها، انقلبت الأنظار سريعاً الى لبنان، ولأن اللبناني كعادته لم يتأخر على التحليل واستنتاج مصير لبنان، تناقلت الألسن عبارات من قبيل: "الحرب راجعة"، و"رح يصير فينا أكتر من غزة"... وغيرها الكثير من التكهنات.

فهل كانت هذه أسباب لأن يلجأ بعض السكان الى بيع بيوتهم في منطقة الضاحية الجنوبية، تخوفاً من إعادة سيناريو الحرب الأخيرة؟

وسط هذا الجو المشحون بالتوتر والتكهنات، برزت حركة لافتة في بعض أحياء الضاحية، حيث سُجّلت حالات بيع عقارات من قبل سكان قرروا المغادرة، خوفاً من أن تتكرّر على أرضهم مشاهد دمار أملاكهم وأرزاقهم.

ووفقاً لمصادر مقرّبة من بيئة الضاحية، فإن عدداً متزايداً من العائلات وأصحاب المنازل والمتاجر يعمدون اليوم إلى بيع ممتلكاتهم، والانتقال إلى مناطق يرونها أكثر أماناً واستقراراً.

في هذا السياق، استقصى موقع Lebtalks عن حقيقة الامر، وتواصل مع أحد سماسرة العقارات في الضاحية الجنوبية، الذي أكّد بدوره وجود "عدد كبير من المنازل والشقق المعروضة للبيع، وتتفاوت الأسعار بحسب مساحة العقار وعدد الغرف". لكنّه أكّد أيضاً أن هناك "تسهيلات في طرق الدفع، تشمل إمكانية التقسيط وتحديد مبالغ ميسّرة لكل دفعة". 

ومن اللافت أن السمسار لم يطلب معرفة اسم أو هوية المتصل، بل اكتفى بتقديم تفاصيل العرض ومحاولة إقناع الطرف الآخر به.

وخلال المحادثة، شدّد المتصل، الذي أبدى اهتماماً بالشراء، على أهمية معرفة جنسية وهوية الأشخاص الذين تُباع لهم الشقق، فأوضح السمسار أن العقار المعروض يقع في حي راقٍ ضمن منطقة سانت تيريز، بعيد من الطابع الشعبي.

أضاف أن هناك مشتريًا عراقي الجنسية أبدى اهتمامه بالمنزل، وعرض دفع مبلغ أولي قدره 500 ألف دولار من أصل السعر الكامل البالغ 150 ألف دولار أميركي.

ورغم ذلك، قدّم السمسار عرضًا أقل للمتصل، وصل إلى 135 ألف دولار، مشيرًا إلى أن السعر قابل للتخفيض أكثر في حال تم اتخاذ قرار الشراء.

ويعكس هذا الواقع أن الميسورين مادياً هم من يُقدمون على شراء المنازل، واضعين رهانهم على استقرار الأوضاع الأمنية وعودة الهدوء، بهدف إعادة بيع هذه العقارات لاحقًا بأسعار مضاعفة وتحقيق أرباح كبيرة.

كما تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً كبيراً من المنازل والعقارات المعروضة للبيع، وغالباً ما يرغب أصحابها بإتمام عملية البيع بأسرع وقت ممكن، إلا أن حركة السوق تبدو بطيئة جداً، إن لم تكن شبه متوقفة.

ووفقاً لما ذكره السمسار، فإن أحد المنازل في منطقة الجاموس معروض حالياً بسعر قد يصل إلى 100 ألف دولار، في حين أن هذا المنزل نفسه كان يُباع قبل اندلاع الحرب بسعر يتراوح بين 140 و150 ألف دولار، نظراً لمساحته وعدد غرفه.

وخلال الاتصال، تبيّن أن العديد من المالكين يسعون لبيع ممتلكاتهم بهدف الانتقال خارج لبنان، أو على الأقل مغادرة الضاحية الجنوبية إلى مناطق أكثر أماناً، كعرمون، الجبل، دوحة الحص وغيرها من المناطق التي لجأ اليها أبناء الضاحية خلال الحرب.

فالواقع اليوم يشير إلى أن سكان الضاحية، كما أبناء الجنوب والبقاع، لم يعد لديهم القدرة على تحمّل تكرار مشاهد التهجير والدمار والقصف.

عادة الإعمار باتت شبه مستحيلة بالنسبة للكثيرين، فالمعيشة أصبحت باهظة بشكل يفوق الاحتمال، وفي المقابل، لم تُمنح حتى الآن تعويضات كافية من قبل لجان الكشف. وحتى تلك المساعدات التي تم توزيعها لم تكن كافية لتغطية تكاليف الأساسيات، كفرش المنازل الذي تضرر بفعل تطاير الزجاج وشدة الانفجارات.

وقد لخّص أحد السكان الوضع بالقول: الحرب الأخيرة لم تُبقِ حجراً على حجر.

وفي هذا السياق، أفادت إحدى العائلات المقيمة في الضاحية لموقع LebTalks بأنها بدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر بعرض ممتلكاتها للبيع، والتي تشمل منزلاً مؤلفاً من ثلاث غرف، بالإضافة إلى محل تجاري متخصص ببيع الأراكيل ومستلزماتها.

وأشار أحد أفراد العائلة إلى أن الإقبال على الشراء ضعيف جداً، وأن القلائل الذين أبدوا اهتماماً بالعقار أو المحل التجاري يطالبون بتخفيض الأسعار، مستندين إلى تردّي الأوضاع المعيشية والأمنية.

أضاف أن حجم الدمار الذي لحق بالضاحية يلعب دوراً كبيراً في تحديد أسعار العقارات، إذ يشكّل عامل ضغط إضافي على البائعين ويدفعهم إلى تقديم تنازلات في السعر، لاسيما أن بعض العقارات معروضة للبيع على ضررها.

وفي ظل كل هذه المؤشرات، جاء تصريح المبعوث الأميركي توم براك عبر حسابه على منصة "إكس" ليزيد من المخاوف التي يعيشها اللبنانيون، وخاصة سكان المناطق ذات الطابع الحزبي.

فالتصريح حمل تهديداً واضحاً للدولة اللبنانية، إذ أوحى بأن على الحكومة اتخاذ قرار نهائي بشأن سلاح حزب الله، عبر حصره بيد الدولة، وإلا فإن إسرائيل قد تلجأ إلى خطة مختلفة تجاه لبنان، ما يرفع منسوب القلق من تصعيد أمني محتمل.

وقد تُرجم هذا التهديد عملياً من خلال التحليق المستمر للطائرات المسيّرة الإسرائيلية، التي تمتد من جنوب لبنان مروراً بالبقاع، وصولاً إلى أجواء مطار رفيق الحريري الدولي والقصر الجمهوري في بعبدا.

ويأتي هذا التصعيد، إلى جانب سلسلة الاستهدافات التي ينفذها الجيش الإسرائيلي، ليحمل رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل تراقب عن كثب، وتنتظر اللحظة المناسبة لفتح جبهة جديدة مع لبنان.

وسط هذا الواقع المتأزم، يبقى السؤال الأكبر: هل سيتحول لبنان مرة أخرى إلى ساحة نزاع مفتوحة، أم أن هذه المخاوف مجرد موقتة تُستخدم كأداة ضغط لتقييد سلاح الحزب وتحقيق تحييد لبنان عن أي حرب جديدة؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: