كتبت كريستيان الجميل،
في نهاية العام 2020 قامت سيدة أعمال لبنانية، وهي إحدى المودعات في مصرف كبير، وسبق وأن حصلت على قرضٍ بقيمة تقارب المليون دولار، بتسديد دينها هذا عبر شيك مصرفي بما يعادل 20 ألف دولاراً “فريش”.
في المقابل، فإن مودعة في المصرف نفسه تملك 20 ألف دولاراً في حسابها، تقدمت بدعوى قضائية مطالبةً بالحصول على وديعتها “فريش” وليس عبر شيك مصرفي.
أمّا مودعة ثالثة تملك في حسابها القيمة نفسها من الدولارات، ولم تتقدم بدعوى ضد المصرف، ما زالت تنتظر الحلول من خلال التي ستضعها الحكومة والمجلس النيابي لإنصاف المودعين وإعادة الودائع.
لكن المجلس النيابي، ومن جهته، قرّر أنه بإمكان أي مقترض من المصرف أو باقي المصارف، أن يردّ القرض، ومهما كانت قيمته، عبر شيك مصرفي أو عبر دفع نسبة لا تتجاوز الـ3 بالمئة بالمئة كحد أقصى من قيمة القرض بالـ”فريش دولار”، بمعنى أن مالك مركز تجاري مرموق له فروع عدة في بيروت، كان على شفير الإفلاس، وحصل على قرض بعشرات الملايين من الدولارات، قد سدّد دينه بورقة هي عبارة عن شيك مصرفي، فيما حقّق مئات الملايين من الأرباح و”فريش” قبل وخلال وبعد الأزمة المصرفية.
كما أن القضاء الذي أراد إنصاف المودعين، قد أصدر قرارات أنصفت نسبة قليلة منهم لا تتجاوز الـ2 أو 3 بالمئة، على حساب أكثر من 98 بالمئة من المودعين.
وبإسم القانون، لم يسمح القضاء للمصرف بأن يردّ أي وديعة عبر شيك مصرفي فيما كان كل مقترض أو صاحب الدين الضخم، يرد دينه عبر شيك مصرفي، وبالتالي، فإن القانون الذي تمّ إقراره، لم يلحظ هذه الإشكالية الهامة والأساسية، ما أدّى إلى انفلات الأمور والفوضى.
إنها معضلة الودائع، التي تدور في حلقة مفرغة، حيث أن السياسيين على اختلاف مواقعهم يطلقون الوعود للمودعين بأنهم سيستعيدون ودائعهم، فيما قاموا مسبقاً، بتبديدها من خلال إلغاء القروض ومنع تسديدها بطريقة عادلة تحت عنوان مساعدة المودع العادي، والتي استفاد منها المودع المستثمر وصاحب المطعم ومالك الشركات التجارية الكبيرة والتاجر ورجل الأعمال والمطوِّر العقاري، مثل الشركات العقارية التي تبيع الأراضي بالدولار “الفريش” على سبيل المثال، كما بعض النواب والوزراء والمسؤولين في كل قطاعات الدولة من إدارية وأمنية وحتى في القضاء.
إلاّ أن اللافت اليوم، أن هؤلاء “المقترضين” الذين سبق لهم وأن سرقوا الودائع بعد الأزمة، يطالبون اليوم بإعادة السيناريو نفسه، من خلال الضغط لإجبار المصارف على تسليفهم مرة ثانية، طمعاً بأن يتكرّر الإنهيار مجدداً وأن ينجحوا في التهرّب من التسديد، من خلال قانون سيضغطون أيضاً من أجل صدوره، خصوصاً وأنه من بينهم عدد من المسؤولين الذين استفادوا من التشريعات في هذا الإطار.
هل من المنطقي في هذه الحال أن تعمد المصارف إلى تكرار هذا السيناريو، أو أن يوافق المودع على هذا الأمر تحت عنوان “إعادة التسليف لتحريك الإقتصاد”؟
ومن المعلوم أن أموال المصارف موزعة على الشكل الآتي:
-15 – 20 بالمئة كاحتياطي إلزامي في مصرف لبنان المركزي.
-20 بالمئة في المصارف المراسلة في الخارج٠
-40 الى 45 بالمئة تسليفات للقطاع الخاص .
أما النسبة المتبقية فهي موزعة على استثمارات مختلفة.
ولدى التوسّع في حركة القروض التي حصل عليها القطاع الخاص، من المفيد التذكير بأن الإستثمارات التجارية والعقارية والسياحية والصناعية الضخمة في العاصمة وفي أكثر من منطقة سياحية أو صناعية، قد أنجزت من خلال القطاع المصرفي.
فمنذ الستينات ساهم القطاع المصرفي في ازدهار لبنان وتطوره، حيث أن كل تم بناؤه في العاصمة وخارجها من مباني تجارية وسكنية ومطاعم وفنادق، وحتى طائرات الميدل إيست، كانت ممولة من المصارف.
ووفق التقارير الإقتصادية، فقد سجلت حركة تسليف كثيفة للشقق السكنية حيث حصل ما نسبته ٣٥ بالمئة من سكان لبنان على قروض سكنية وقاموا بعديدها بالكامل عبر شيكات مصرفية.
وبالتالي تشير التقديرات إلى أن ٥٠ بالمئة من اللبنانيين يمتلكون منازلهم اليوم، وقد حصل هذا الأمر على حساب المودعين.
وفي الخلاصة، فإن أكثر من علامة استفهام تطرح عن المستفيدين فعلياً من الأزمة،
ما يدفع إلى التنبه لمنع كل من استفاد من تسديد الديون بطريقة غير أخلاقية من أن يعيد الكرة ويبادر مجدداً إلى الحصول على قروض مصرفية.