بدا المشهد السياسي اللبناني مختلفاً منذ إعلان رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون خطاب القسم، الحازم بلهجته ووعوده ببناء لبنان جديد، يضمن السيادة والحرية والاستقلال وإحتكار الدولة فقط للسلاح، في إشارة مباشرة لسلاح حزب الله، ووضع حدّ لسطوة الدويلة وتقليص اي نفوذ خارجي، وإلتزام لبنان بسياسة الحياد الايجابي، مع تطبيق الاصلاحات وإنهاء حقبة الفاسدين، وتأكيد إستقلالية القضاء والحرص على تحقيق النزاهة والاستقامة، وعدم الخضوع لأي جهة سياسية في لبنان، مع وعود لطالما حلم بها كل مواطن لبناني.
هذه الوعود بدأت تتبلور بوضوح في مواقف الرئيس عون، وآخرها ما قاله من منبر القصر الرئاسي لرئيس مجلس الشورى الايراني محمد باقر قاليباف، بالتزامن مع يوم تشييع الامينين العامين لحزب الله حسن نصرالله وهاشم صفي الدين، فكانت المفاجأة الكبرى التي قلبت وضع قاليباف وجمهوريته رأساً على عقب.
قالها الرئيس بالفم الملآن: “لبنان تعب من حروب الاخرين على ارضه، ودفع اثماناً باهظة في دعم القضية الفلسطينية، وهو ملتزم بقرارات قمة الرياض الداعية لحل القضية الفلسطينية على اساس اقامة الدولتين، ويؤيد عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وفي الوقت نفسه حريص على إقامة أفضل العلاقات مع إيران على اساس الاحترام المتبادل”.
هذه العبارات لم تكن مريحة للزائر الايراني، الذي يعتبر نفسه من أهل البيت وأكثر، بسبب “مونته” على حزب الله الذي ينفذ أجندات ايرانية على رأس السطح، غير آبه بأحد، لا بل يبدو فخوراً بما يقوم به من ولاء لدولة يحمل علمها في كل المناسبات، متناسياً علم بلاده الذي يدافع عن كل شبر من أراضيه كما يردّد دائماً.
موقف الرئيس عون الذي أصاب الاحتلال الايراني بالمباشر وتدخله الفاضح في شؤون لبنان، لم يهضمه الفريق الممانع صاحب كلمات الصمود والتصدّي، والى ما هنالك من عبارات باتت بائدة، ولم تعد تتماشى مع التغيرات في لبنان والمنطقة.
هذه الرسائل التي يطلقها رئيس الجمهورية بين الحين والآخر اصابت كل الاتجاهات، وعلى السامع ان يُدرك محتواها ويفهم العنوان جيداً، فلبنان المحكوم من إيران ولّى زمنه، ولم يعد للهيمنة مكان، لانّ المرحلة الجديدة في طريقها لعبور لبنان وتحويله الى وطن مستقل وحرّ، لانّ ما أعلنه الرئيس عكسَ سياسة العهد الجديد، بعد مضيّ عقود من زمن الاحتلالات، فيما السقوط يرافقها تباعاً لإستعادة الدولة المنتظرة، بعدما كانت أسيرة الصراعات الاقليمية. لكن ومنذ انتخاب الرئيس عون يبدو التوازن سائراً بقوة على خط المعادلة الداخلية، فلبنان لن يكون ساحة صراع لحروب الآخرين على أرضه، لانّ مسار الدولة القوية قادم وسينطلق من خط سيادي، سيخرج ولو بعد حين من السجن الكبير.