قناة المنار لا تخاطب جمهوراً، بل تخاصمه، لا تبث أخباراً فحسب، بل تصدر أحكام إدانة مسبقة، وتوزع شهادات ولاء وخيانة كما تُوزع منشورات دعائية رخيصة، الهجوم الذي شنته المنار على محطة MTV لم يكن هجوماً إعلامياً فحسب، بل إعلان حرب ثقافية على كل مساحة تحاول أن تبقى لبنانية قبل أن تكون حزبية، عندما تُختزل الكلمة الحرة إلى جريمة، ويُصبح كل اختلاف في الرأي تهمة عميل، فإنّ الوطن نفسه يُعاد تعريفه، ليس كمجتمع مواطنين متساوين بل كأتباع وطاعة مطلقة.
ميشال المر، مالك محطة MTV، لم يرتد قميص أي ميليشيا، ارتدى قميص صوتٍ لبناني يريد دولة. ويكفي أن نُشيد به لأنه وقف رغم الضغوط والتهديدات على جانبٍ واحد أساسي، ضرورة عودة المؤسسات، ليس بطلاً خارقاً بالمعنى المبالغ فيه، لكن الشجاعة الحقيقية ليست في الدفاع عن سلاح أو موقع، فالشجاعة الحقيقية أن تظل تدافع عن حرية التعبير وحرية الإعلام في بلد تُستباح فيه الكلمة.
قناةٌ تستخدم المنابر لتأجيج العداوات الداخلية باسم "المقاومة" ليست مقاومة بل صناعة ذريعة. صناعة ذريعة لتبرير ما لا يبرر، ولإخفاء إخفاقات سياسية ومشاريع نفوذ لا علاقة لها بمصلحة اللبنانيين، خطاب التخوين المتكرر، ليس سوى طبخة إعلامية تُفقد الخصوم حقهم في الجدال السلمي، وتُقنن عنف الكلام قبل أن يتحول عنفاً فعلياً.
وفي هذا السياق، لا بد من توجيه النقد إلى الحزب الذي يدير هذا المنبر، من غير المقبول أن تُستخدم قنوات إعلامية كذراع لتصفية حسابات داخلية أو لفرض أجندات خارجية على حساب سيادة الدولة، إن الذين يصبّغون كل من يطالب بدولة مؤسساتية بالخيانة هم أنفسهم الذين يقوضون أي فرصة لبناء جيش ومؤسسات قادرة على حماية لبنان من أية تهديدات، لأن الدولة الضعيفة هي مربط الفرس لكل نفوذ خارجي.
لكن النقد وحده لا يكفي، احترامنا لميشال المر ومحطات كـ MTV ينبع من كونهم يبقون نافذة للمساءلة والاختلاف، من دون همّة كهذه تصير الساحة الإعلامية مطبخاً واحداً للخطاب الرسمي الذي لا يُسامح مع الاختلاف، فالدفاع عن محطة أو مالك ليس دفاعاً عن شخص، بل دفاع عن حق اللبنانيين أن يسمعوا أصواتاً غير صوت واحد مسجل.
لذلك، نقول بصراحة، إذا أردنا أن ننقذ لبنان من نزيفه الداخلي، لا يكفي إدانة المنابر فقط، بل يجب استعادة الدولة. استعادة المؤسسات القضائية، واستقلالية الإعلام الحقيقي، وحماية الصحفيين من التهديد والاغتيال المعنوي، يجب أن تكون هناك قوانين واضحة تُجرّم التحريض والتخوين، لكن أيضاً قوانين تُحمي الصحافة من ضغوط السلاح والنفوذ.
ختاماً، نقف اليوم إلى جانب كل من يقف للحظة ضد ثقافة التخوين والتجييش الداخلي، ونحيي ميشال المر وكل صوت يدافع عن دولة تَحمي مواطنيها بدل أن تُقسمهم بصكوك الولاء.