نزع سلاح "الحزب".. هل يمهّد لاندماج لبنان في المحيط الإقليمي؟

Untitled-1

في ظلّ الأزمة الاقتصادية العميقة التي يعاني منها لبنان، والتحولات المتسارعة في علاقات الشرق الأوسط، تبرز فكرة أن نزع سلاح حزب الله قد يكون مدخلاً لإنهاء وضع خاص لحزب داخل الدولة اللبنانية، ما يمكِّن لبنان من إعادة التموضع إقليمياً. وقد أطلقت هذه الفكرة تصريحات ومقترحات من الجانب الأميركي، ما يجعلها تستحق الوقوف عندها من عدة زوايا.

وكان  المبعوث الأميركي توم براك صرح بأن الحكومة اللبنانية "خطت الخطوة الأولى" نحو نزع سلاح حزب الله، وأن الولايات المتحدة تتوقع "مصافحة متساوية" من الجانب الإسرائيلي في سياق تسوية أكبر.

كما أكدت الولايات المتحدة أن سلاح حزب الله يجب أن يُجمّد أو يُسلَّم للدولة اللبنانية عبر القوات المسلحة اللبنانية، باعتباره أحد شروط الاستقرار، و"أن المضي في هذا الطريق سيفتح أمام لبنان فرصاً إقليمية واقتصادية".

إن نزع سلاح حزب الله قد يُنظر إليه من قِبَل بعض دول الخليج ومصر كخطوة لإضعاف النفوذ الإيراني في لبنان، ما قد يسهل فتح قنوات استثمارية أو إعادة إعمار أو شراكات اقتصادية مع لبنان، ولا بد من الإشارة إلى أن  أحد عناصر المقترح الأميركي هو أن إسرائيل قد تستجيب بتخفيف الهجمات أو الانسحاب من نقاط في جنوب لبنان مقابل أن يتولّى الجيش اللبناني أو الدولة وحدها الأمر الأمني، ما قد يُعيد لبنان تدريجياً إلى "حالة طبيعية" مع جيرانه.

وبالنظر إلى أن حزب الله يُعدّ قوة مسلّحة غير خاضعة بالكامل للدولة، فإن دمج سلاحه أو تسليمه للدولة يُعدّ تعزيزاً لمبدأ "احتكار الدولة للسلاح" ما يُرى غالباً كشرط للاستقرار السياسي والاقتصادي.

وفي هذا السياق فإن نزع سلاح حزب الله قد يفتح الباب أمام تدخّلات خليجية أو اقتصادية في جنوب لبنان أو مناطق أخرى، ما قد يربط لبنان أكثر بمنطقة الشرق الأوسط اقتصادياً.

لكن هذه الرؤية ليست بلا مخاطر أو صعوبات، ومن بينها، رفض حزب الله والمشهد الداخلي اللبناني، حزب الله أعاد التأكيد أنه لن يسلم سلاحه في ظل استمرار ما يعتبره "العدوان الإسرائيلي" أو الاحتلال على بعض النقاط اللبنانية.

ويضاف إلى ذلك الشرط الإسرائيلي إذ أن المطلوب ليس فقط من لبنان أو حزب الله، بل من إسرائيل أيضاً أن تنسحب من النقاط التي تشغلها جنوب لبنان، وأن تكف عن الهجمات، وهو ما لم يُنجز بالكامل حتى الآن.

إن أي محاولة لإنهاء دور حزب الله العسكري قد تُسبّب انقساماً داخليّاً أو صداماً سياسياً أو أمنياً، خصوصاً أن الحزب يحظى بقاعدة شعبية وجناح سياسي.

كل ذلك يجري في منطق المنطقة المعقَّد فالنفوذ الإيراني – السوري في لبنان، والعلاقات مع إسرائيل، وتحولات في الخليج، كلها تجعل المشهد الإقليمي معقّداً، والتحوّل ليس تلقائياً فحتى إن تحقق نزع سلاح حزب الله، فسيتطلّب تمويلاً ضخماً لإعادة إعمار لبنان وإحداث تغييرات اقتصادية، وهو ما ليس مضموناً تلقائياً.

ومن وجهة نظر تحليلية، يمكن القول إن نزع سلاح حزب الله يمكن أن يكون مدخلاً ضرورياً ولكن ليس كافياً بحد ذاته لـ"اندماج لبنان في المنطقة". فـ"الاندماج" يتطلّب: خطوات سياسية واضحة تجاه تطبيع العلاقات أو على الأقل تحسينها مع الدول الإقليمية (خليج، مصر، سوريا، الأردن)، استقراراً أمنياً داخلياً واستعادة الدولة لسيادتها ووجودها في كل الأراضي اللبنانية، تغييرات اقتصادية ضخمة تُتيح للبنان التخلص من أزمته المالية واستقطاب استثمارات إقليمية، وضوحاً في دور حزب الله في النظام اللبناني (سياسياً، اجتماعياً، أمنياً) وما بعد النزع.

إذا تحقق نزع السلاح بطريقة تفاوضية وبمشاركة حزب الله أو على الأقل توافق وطني، فسيُمثّل ذلك نقطة تحول. أما إذا كان بعملية تصادمية أو جزئية، فالإندماج الإقليمي يبقى طموحاً أكثر منه واقعاً.

إن المقترح الأميركي بنزع سلاح حزب الله قد يكون فرصة أمام لبنان ليس فقط لتعزيز سيادته، بل أيضاً لتغيّر مكانته الإقليمية. لكن النجاح يعتمد على عوامل عدة: التزام لبنان، موافقة حزب الله، استجابة إسرائيل، ودعم خارجي. في غياب أحد هذه العناصر، قد يبقى المقترح طموحاً لا أكثر.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: