بعد عامٍ على تسلّم نعيم قاسم موقع الأمين العام لحزب الله، يعيش "الحزب" أسوأ مراحله الداخلية والخارجية منذ تأسيسه. اغتيال حسن نصرالله وهاشم صفي الدين لم يترك فقط فراغاً في القيادة، بل كشف عمق الأزمة التي كانت تُدار بالصمت. اليوم، يقف "الحزب" مكشوفاً أمام اللبنانيين والعالم، فيما قاسم يحاول إعادة تركيب صورة حزبٍ فقد بريقه، وبات يترنّح بين خطاب التهديد والتبرير.
منذ اللحظة الأولى لتولّيه، بدا نعيم قاسم غير قادر على حمل إرث نصرالله، خطابه مكرّر، متشنّج، يفتقر إلى الكاريزما والدهاء السياسي. كل إطلالة له تؤكّد أن الرجل يعيش في زمنٍ غير زمن اللبنانيين، متمسّك بشعارات "المقاومة" فيما الناس تبحث عن كهرباء ودواء وفرصة نجاة.
وتحت قيادته، تحوّل "الحزب" من قوّة تُحسب في المعادلة الإقليمية إلى القوة الأضعف، يُهدّد الحكومة حيناً، ويُهاجم الجيش حيناً آخر، ويُساوم الدولة على سيادتها كلّ يوم.
فسلاح "الحزب" لم يعُد عنواناً لحماية لبنان، بل أصبح رمزاً لابتزازه، وقاسم يقولها علناً: "لن نسلّم السلاح"، وكأنّ لبنان دولة داخل "الحزب" لا العكس.
أي مقاومة هذه التي تضع شروطها على الدولة وتخوّن كل من يعارضها؟ وأي "مصلحة وطنية" تُبرّر تدمير مؤسسات الدولة وجرّ البلاد إلى عزلة عربية ودولية؟
"الحزب" ليس مقاومة بل وصاية، وصاية على القرار اللبناني، على الاقتصاد، وعلى مصير الطائفة الشيعية التي باتت تدفع أثماناً عن كل قرار يُتخذ باسمها.
هو يُموّل حملاته خارج الحدود بينما المدارس والمستشفيات في مناطقه تفتقر لأبسط المقومات، يُهاجم الدول العربية باسم "الكرامة"، ثم يتوسّل دعمها حين يشتدّ الخناق.
قاسم لم يُحدث أي مراجعة داخلية، لم يطرح رؤية اقتصادية، لم يُقِم حواراً وطنياً، ولم يُراجع الكارثة التي جرّها "الحزب" على بيئته، كل ما فعله هو تكرار خطاب الحرب، بينما الناس تُدفن تحت الركام الاقتصادي والاجتماعي.
وهنا، لم يعد بإمكان "الحزب" أن يختبئ خلف هالة "المقاومة المقدّسة"، فالإيراني مشغول بمصالحه، والسوري غارق في أزماته، وبعض اللبنانيين الشيعة باتوا يرون أن "الحزب" لا يحميهم بل يخنقهم.
حتى بيئته الحاضنة بدأت تُعبّر بصمت عن الغضب، من الفقر، من الحرب، من القمع، من "القداسة" التي لم تعد تطعم خبزاً.
عامٌ على قاسم كافٍ ليُثبت أن "الحزب" ليس في موقع القيادة بل في موقع المأزق.
اللبنانيون تعبوا من منطق الحرب، من الاصطفافات، من الخوف، يريدون دولة لا دويلة، سيادة لا وصاية، وكرامة لا خطابات.