نهاية حزب الله: المأزق الإستراتيجي والانحدار الإقليمي

Hezbollah7

كتب جوزيف بو هيا: في ظلّ التحولات الكبرى التي يشهدها الشرق الأوسط، يبدو أنّ حزب الله، الذي لطالما شكّل رأس الحربة في مشروع إيران الإقليمي، قد وصل إلى مفترق طرق حاسم يضع وجوده على المحكّ. اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وحزب الله، والذي أتى بناءً على طلب الحزب نفسه، عكس عمق المأزق الذي يواجهه، ليس فقط عسكريًا ولكن أيضًا على المستويين السياسي واللوجستي. الخسائر الجسيمة التي لحقت به على صعيد الأرواح والمخازن، سواء كانت مخازن الأسلحة أو الأموال، إضافةً إلى فقدانه السيطرة على مناطق واسعة في الجنوب اللبناني، باتت جميعها تشكّل مؤشرات لا يمكن إغفالها على تراجع مكانته.

الواقع الميداني: انهيار السيطرة المحلية

على الأرض، لا تزال القوات الإسرائيلية متمركزة داخل الأراضي اللبنانية، في تحدٍّ مباشر للقدرات العسكرية التي كان الحزب يتفاخر بها. كما أنّ منع عودة الأهالي إلى العديد من القرى الجنوبية يبرز عجز الحزب عن استعادة زمام المبادرة، ويكشف هشاشة البنية التحتية التي كان يعتمد عليها في حاضنته الشعبية. هذا العجز الميداني يفاقمه الانهيار الاقتصادي الذي يعصف به خاصة مع ضرب إسرائيل لمؤسساته وتراجع الدعم الإيراني بفعل الضغوط الدولية، والذي يجعل من أي محاولة لإعادة التموضع أكثر صعوبة.

السقوط السوري: ضربة العمود الفقري للمحور

لعلّ الحدث الأبرز الذي زاد من تعميق أزمة الحزب هو انهيار نظام بشار الأسد، الشريان الحيوي الذي كان يمدّ حزب الله بالدعم العسكري واللوجستي. سوريا، التي كانت تمثّل العمود الفقري لمحور الممانعة، باتت اليوم خارج سيطرة بشار الأسد. لقد كان الأسد بوابة عبور التمويل والأسلحة إلى حزب الله، وانهياره يعني فعليًا قطع طريق الإمداد الأبرز للحزب. سقوط سوريا لم يكن مجرد خسارة لحليف استراتيجي، بل هو نهاية محور الممانعة الذي أصبح مجرّد ذكرى.

تفكّك المحور الذي كان يربط إيران، العراق، سوريا، وحزب الله، يعكس تراجع النفوذ الإيراني الإقليمي وتزايد الضغوط الدولية والإقليمية على طهران وأذرعها. هذا التفكك جعل الحزب أكثر عزلة في الداخل اللبناني، وأفقده القدرة على المناورة في ظل تصاعد الخطاب الداخلي الرافض لدوره العسكري والسياسي. ومع تفكّك الساحات الإقليمية التي كان يعتمد عليها، أصبح الحزب أمام معضلة وجودية تتجاوز حدود لبنان.

في ظلّ هذا الواقع، يبدو أنّ أي محاولة من الحزب للاستمرار في المكابرة والادّعاء بأنه ما زال قوة قادرة على المواجهة ستكون بمثابة انتحار جماعي. الوقائع على الأرض تشير بوضوح إلى أنّ زمن الهيمنة العسكرية قد انتهى، وأنّ جنون العظمة الذي طبع خطابه السياسي والعسكري لسنوات طويلة لم يعد له مكان في لبنان الذي يتجه نحو مرحلة جديدة من التوازنات. اليوم، المطلوب هو العودة إلى الواقعية السياسية، بعيدًا عن شعارات الماضي، إذا أراد الحزب، وحاضنته الشيعية، البقاء ضمن نسيج اجتماعي قادر على التعايش مع المكونات اللبنانية الأخرى.

ما نشهده اليوم هو تجسيد لما كان قد حذّر منه الراحل السيد حسن نصرالله نفسه في خطاب سنة ٢٠١٣، حين قال: “إذا سقطت سوريا ستحاصر المقاومة”. هذه العبارة لم تعد مجرد تحذير، بل أصبحت حقيقة ماثلة أمام الجميع. نهاية سوريا كما عرفناها هي بداية نهاية حزب الله في صيغته الحالية. البقاء في حالة إنكار للمتغيرات لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانحدار. يجب أن يفهم حزب الله أن ما يحتاجه لبنان اليوم عموماً والشيعة خصوصاً هو مشروع وطني جامع يُخرج البلاد من حالة الاستنزاف الذي وضعنا فيها الحزب، ويضع حدًا لحقبة من مغامراته التي أرهقت الجميع.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: