في لحظةٍ مفصلية من تاريخ لبنان، وعبر قرارٍ يُعدّ الأجرأ منذ عقود، خطت الحكومة اللبنانية خطوةً تاريخية بإجماعها على حصر السلاح بيد الدولة، واضعةً بذلك حدًا لحقبةٍ من الالتباس السيادي والسياسي. غير أن ما استوقف المراقبين ليس القرار فحسب، بل الثقل الأخلاقي والسياسي الذي حمله رئيس الحكومة نواف سلام، على كتفيه ليُمرّر هذا القرار من خانة المستحيل إلى خانة الممكن، ومن التنظير إلى التنفيذ.
نواف سلام، الذي عرفه اللبنانيون قاضيًا في المحاكم الدولية ودبلوماسيًا نزيهًا في أروقة الأمم، أثبت اليوم أنه رجل دولةٍ من الطراز الرفيع. قراءته الهادئة، وصبره التفاوضي، وقدرته على تدوير الزوايا من دون أن يتنازل عن الثوابت، جعلت منه ركيزةً أساسية في معادلة الإنقاذ الوطني.
وفي هذا السياق، لم يكن مفاجئًا أن تُسجّل مصادر سياسية بارزة، معروفة بثقلها النيابي والشعبي، موقفًا لافتًا في حديث لموقع Lebtalks، حيث شدّدت على أن "ما كان لهذا القرار أن يمر بهذه الصيغة التوافقية لولا ثبات نواف سلام، وتوازنه في الإمساك بالخيوط الداخلية والخارجية في آنٍ معًا".
وتضيف المصادر: "الإشادة لم تأتِ من باب المجاملة، بل من باب الإقرار بالدور المحوري الذي لعبه سلام في تفكيك الألغام السياسية التي كانت تعيق أي نقاشٍ جدي في ملف السلاح غير الشرعي. فقد أحسن قراءة اللحظة الإقليمية، وفهم بدقة كيف يمكن أن تتحوّل التسويات الكبرى إلى فرصٍ للبنان، لا عبئًا عليه".
والأهم من كل ذلك، وفق المصادر عينها، أن نواف سلام لم يأتِ إلى السراي الحكومي محمولًا على أجنحة الحسابات الحزبية، بل جاء بخلفية رجل القانون، الحريص على الدستور، المؤمن بألا استقرار حقيقيًا في ظلّ تعدد مصادر القرار الأمني والعسكري. من هنا، بدا القرار الأخير تتويجًا لرؤية لطالما نادى بها، حتى قبل دخوله المعترك التنفيذي.
وبينما يتأهّب الشارع اللبناني لاستيعاب أبعاد هذه الخطوة، تتجه الأنظار إلى المرحلة التالية: كيف سيتم التطبيق؟ ومن سيراقب؟ وهل تصمد هذه المعادلة أمام التحديات الإقليمية؟ لكن ما هو مؤكد أن نواف سلام فتح الباب، وبجرأة استثنائية، نحو دولةٍ سيّدة بكل ما للكلمة من معنى.
في لحظةٍ كهذه، لا يسع اللبنانيين سوى التمسك برموز سياسية قادرة على تجاوز منطق الغلبة والسلاح، لتُعيد للدولة هيبتها، وللدستور قيمته. ونواف سلام، اليوم، ليس فقط رئيسًا للحكومة، بل حامل لواء الدولة العادلة، المتماسكة، والمحصّنة بسلاح الشرعية وحده.