نيسان 2005 – تموز 2025: من عشية التحرير من “الاحتلال” إلى عشية التحرّر من “السلاح”

hzeb

تتجمّع التسريبات، وتبرز المعطيات، وتتقاطع المعلومات، وتؤكَّد التصريحات بأنّ الأسبوع الحالي وبدايات الأسبوع المقبل قد تشهد وصول موضوع “حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية” – البند الأمني والسيادي والاستقراري الأساسي – إلى برّ الأمان، إما بتطبيقه أو بالإعلان الرسمي الصريح والواضح عن انطلاق قطار تطبيقه الجدّي والفعلي على أرض الواقع اللبناني، وذلك تحت طائلة انتهاء المهلة المعطاة للبنان الرسمي: رئاسة جمهورية، حكومة، ورئاسة مجلس نواب بوكالتها غير المعزولة عن الحزب، وذلك قبل وصول المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم برّاك. ما يعطي لهذه المهلة معناها الحقيقي هو الترجمة الفعلية لعبارة “deadline” من اللغة الإنجليزية، أي “خط الموت” أو النهاية، أو كما سمّاها رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع: “The game is over” – “نهاية اللعبة”.

وقد يُحاكي اليوم التالي لتلك المهلة يوم “الصيف الصاعد”، في اليوم التالي لانتهاء مهلة الستين، التي أعطتها الولايات المتحدة لإيران للوصول إلى نتيجة حاسمة في المفاوضات النووية، والتي تُرجمت في اليوم الواحد والستين بالضربات الإسرائيلية على إيران، المبرَّرة والمبارَكة والمدعومة إلى حدّ المشاركة والانخراط المباشر من الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب.

يتذكر اللبنانيون مرحلة قاسية مماثلة عاشوها تحت الاحتلال السوري، ومحاولات شرعنته وتبريره وتفسيره وقوننته، كما عاشوا محاولات مشابهة حثيثة لتخويفهم من مغبّة المطالبة برفع الوصاية والهيمنة السورية، وانسحاب جيش الأسد الأب والابن من لبنان، عبر التلويح والتهديد بـ”الحرب الأهلية” على لسان أتباعهم في لبنان، وعلى رأسهم الحزب المطالَب اليوم محليًا، إقليميًا، ودوليًا، بما طُولِب به الاحتلال السوري: احترام سيادة واستقلال لبنان عبر بسط سلطة الدولة بقواها الذاتية فقط على كامل الأراضي اللبنانية.

عن تلك المرحلة التي سبقت انسحاب الجيش السوري من لبنان – والتي يجب على الحزب وقيادييه وإعلامييه ومحلّليه التعلّم منها في المستقبل القريب جدًا، بانتهاء صلاحية “استعمال شمّاعة الحرب الأهلية” المجرّبة، و”انتهاء لعبة” الحجج الواهية لتسويف القرارات المحتّم تنفيذها – نحيل القارئ إلى ما قاله في 9 نيسان 2002 الرئيس السابق العماد ميشال عون في مقابلة مع قناة “MTV”:

“ألم تسمع الخطابات التي هدّدتنا بالحرب الأهلية في حال مطالبتنا بالانسحاب السوري؟ حزب الله هو الذي هدّد، ومن غيره يملك السلاح؟ قال إننا نريد أن نقوم بـ’كوسوفو’ ثانية، وأنه سيتصدّى لهذا الأمر، وأنه في الخطّ الأمامي في الدفاع عن سوريا، وهذا ورد في صحيفة السياسة الكويتية، وعلى لسان السيد حسن نصرالله، وكأنّه يتّهمنا أو يهدّدنا بالحرب الأهلية إذا طالبنا بالانسحاب السوري من لبنان… لماذا لا يعترف لي بحقّ الاختلاف؟ ولماذا حزب الله هو خط الدفاع عن سوريا في لبنان؟”.

لتأتي التطوّرات اللاحقة – من بيان المطارنة الموارنة في 20 أيلول 2000، إلى لقاءات قرنة شهوان المنبثقة من البيان والمنسّقة مع بكركي، ولقاءات بريستول 1 و2 و3 بمشاركة وطنية جامعة سنية ودرزية، والانتفاضة السيادية الوطنية التي تلت جريمة اغتيال الحريري – لتؤكّد سقوط حملات التخويف من الحرية والتحرر، والتخوين، والاتهامات بالعمالة، والتماهي مع العدو بسبب القرار 1559 والمطالبة بالسيادة. وقد تُوّج هذا المسار بالخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في 5 آذار 2005 معلنًا انسحاب الجيش السوري من لبنان، معتبرًا أنه “بإنهاء هذا الإجراء – وطبعًا بعد الانتهاء (الانسحاب) وليس الآن – تكون سوريا قد أوفت بالتزاماتها حيال اتفاق الطائف، ونفّذت مقتضيات القرار 1559”.

وعلى طريقة المرحلة الحالية بعدم التعلّم من السابقة، ومن مضمون حديث الأسد، أطَلّ السيد حسن نصرالله في 8 آذار 2005 بالحالة نفسها من النكران التي يعيشها ويمارسها حزبه اليوم، ليقول – غير قارئٍ لما قاله الأسد قبل ثلاثة أيام – ما يلي:

“نؤكّد أن اتفاق الطائف فقط هو الذي يجب أن يحكم مسألة الوجود العسكري السوري، وإرادة الحكومتين اللبنانية والسورية، ومصالح البلدين فقط، وليست الضغوط الدولية ولا الإملاءات الدولية ولا تقديم مكافآت لإسرائيل.

نحن المجتمعون هنا، أتينا لنُسمِع العالم أننا نرفض القرار 1559.”

يكاد مشهد عام 2005 يتكرّر مع الحزب في عام 2025، سواء في تراكم الأخطاء والخطايا، أو في تضارب مواقفه. فمن جهة، وافق الحزب في 27 تشرين الثاني 2024 على اتفاق وقف إطلاق النار، والذي يتضمّن موافقة ممهورة بتوقيعه على نزع سلاحه، بدءًا من جنوب الليطاني وصولًا إلى كامل مساحة الـ10452 كم²، وفق آلية تنفيذية يرأسها ضابط أميركي، متسلّحًا بدستور اتفاق الطائف والقرارات الدولية: 1559، 1680، و1701. ومن جهة أخرى، منح نواب الحزب وحلفاؤه ثقتهم للبيان الوزاري الذي يؤكّد على كل ما سبق.

وفي إطار النكران، وعشية إرسال الحكومة ردها المنتظر على مقترحات المندوب الأميركي توم برّاك – والتي تبدأ بنزع السلاح ولا تنتهي بالإصلاحات ومكافحة الفساد – أطَلّ الأمين العام للحزب، نعيم قاسم، الخلف، مع “دنو ساعة” نهاية صلاحية السلاح وحامليه غير الشرعيين، غير قارئٍ، مكرّرًا مجرَّب السلف عشية انسحاب الجيش السوري.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: