تشهد سوريا، وفق تقارير صحفية دولية، تحوّلات اقتصادية متسارعة مع دخول مرحلة جديدة تسعى فيها البلاد إلى استقطاب رؤوس أموال عربية وأجنبية. وقد وصفت صحيفة "إندبندنت" البريطانية سوريا بأنها "أرض واعدة للاستثمارات المربحة"، مشيرةً إلى أنّ "الشركات الناشئة في مجالات إعادة الإعمار والتكنولوجيا والاتصالات تتسابق للاستحواذ على نصيب من مشاريع إعادة البناء". وبحسب الصحيفة، فإن "البلاد تشهد حركة معاكسة بعد المتغيّرات الأخيرة، إذ بدأت باستقطاب مئات الشركات اللبنانية والعربية الباحثة عن حصّة من مشاريع الإعمار".
تغيير النظام في سوريا والانفتاح الذي حصل وإلغاء الحظر، فضلاً عن زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة الأميركية، كان لهم تأثير إيجابي كبير، سيما في المدة الأخيرة.
اليوم، تشكل سوريا فرصة رابحة للمستثمرين اللبنانيين، وتقدر جهات غير رسمية فتح ما يزيد على 500 شركة لبنانية أبوابها في سوريا، إذ قام هؤلاء بتأسيس مؤسسات جديدة، أو فروع لمؤسسات موجودة أساساً في لبنان.
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي رامي السوسي في حديث عبر LebTalks أن "دخول لبنان مجدداً إلى السوق السورية ليس حدثاً عابراً بل تطوّر طبيعي يرتبط بالحاجة المتبادلة بين البلدين، وبالفرص التي ظهرت بعد إعادة فتح قطاعات اقتصادية عدة".
ويقدّم أربع معلومات أساسية حول المشهد الحالي:
- ارتفاع عدد الشركات اللبنانية التي تستكشف السوق السورية: إذ يزداد اهتمام الشركات الصغيرة والمتوسطة، خصوصاً تلك التي تعمل في الخدمات والتجارة والصناعات الخفيفة.
- توفر فرص استثمارية واسعة في قطاعات إعادة الإعمار: مثل البناء، الطاقة البديلة، البنى التحتية، والخدمات اللوجستية، وهي قطاعات تحتاج إلى خبرات عربية وخاصة لبنانية.
- تحسّن نسبي في التشريعات الاستثمارية السورية: حيث تم تعديل بعض القوانين لتسهيل دخول الشركات الأجنبية وتخفيف الإجراءات البيروقراطية.
- عوائق مالية لا تزال تحدّ من التوسع: أبرزها غياب القنوات المصرفية السليمة بين لبنان وسوريا، ما يدفع المستثمرين للاعتماد على حلول بديلة أو شراكات محلية.
وتابع السوسي حديثه بالقول إنه "استناداً إلى تحليل للواقع الاقتصادي، يمكن تلخيص أبرز العوامل التي تشجّع أو تعيق المستثمر اللبناني عبر أربع نقاط:
- الطلب العالي على الخبرات الإدارية والتقنية: تشهد السوق السورية حاجة كبيرة للخبرات في الإدارة الحديثة، التسويق، وتطوير الأعمال، وهي مجالات يمتلك فيها اللبنانيون خبرة متقدمة.
- إمكانية الشراكات الثنائية: تلجأ شركات سورية عديدة إلى بناء شراكات مع شركات لبنانية للاستفادة من شبكاتها الإقليمية، خصوصاً في التصدير والخدمات اللوجستية.
- انخفاض تكاليف الإنتاج: مقارنة بلبنان، تُعد كلف التشغيل في سوريا أقل في عدة قطاعات مثل العمالة، الكهرباء، إيجارات المصانع، ما يجعل الإنتاج موجهاً للأسواق الخارجية أكثر جدوى.
- توسّع الطلب الداخلي السوري: مع بدء عودة الحركة التجارية في بعض المدن، يزداد الطلب على المواد الاستهلاكية، المواد الأولية، والخدمات، ما يفتح الباب أمام شركات لبنانية قادرة على تلبية هذا الاحتياج بسرعة".
بين التحولات الاقتصادية المتسارعة في سوريا والضغوط المالية التي يعيشها لبنان، تبدو الاستثمارات اللبنانية وكأنها فرصة مزدوجة لكل من الطرفين.
فالسوق السورية تحتاج إلى رؤوس الأموال والخبرات، بينما يبحث المستثمر اللبناني عن منفذ جديد للنمو خارج الحدود. ورغم استمرار التحديات السياسية والمالية، فإن البيانات الاقتصادية والتحليلات تشير إلى مرحلة مقبلة أكثر نشاطاً بين البلدين، قد تشكّل بداية لعلاقة اقتصادية أعمق وأكثر تنظيماً.