هل بدلت إسرائيل حسابات الحرب بعد تحرك الجيش اللبناني ميدانياً؟

army-4-raws0yl2iqiqb4q9qtvw1j8hiugagp9hggxzn01o2o

في جنوب مثقل بالاحتمالات، حيث تختلط الجغرافيا بالسياسة، والأمن بالديبلوماسية، أعاد اكتشاف الجيش اللبناني لأحد الأنفاق التي أنشأها "حزب الله" في بلدة تولين الجنوبية طرح سؤال يتجاوز الحدث الميداني بحد ذاته، ليمس جوهر المعادلة الإقليمية القائمة، فهل تكون هذه العمليات الأمنية - التقنية، الموصوفة بدقة عالية وتحت إشراف دولي، بديلاً عن الحرب أم مجرد تأجيل مدروس لها؟

العملية، التي نُفذت بناء على طلب لجنة "الميكانيزم" وباستخدام حفارات هندسية، جاءت في موقع كان قد تعرض سابقاً لقصف إسرائيلي، ما يضفي عليها بعداً مزدوجاً، من جهة استجابة لبروتوكول رقابي دولي آخذ بالتبلور، ومن جهة أخرى، هي اختبار مباشر لمدى قدرة الدولة اللبنانية، ممثلة بجيشها، على الإمساك بالملف الأمني في أكثر نقاطه حساسية.

بالتالي، ليست سابقة معزولة، إذ سبقتها في الأسبوع الماضي، عملية تفتيش دقيقة في بلدة يانوح الجنوبية، عقب تهديد إسرائيلي مباشر بقصف أحد المنازل، انتهت من دون العثور على أسلحة، في مشهد عكس تغييراً نوعياً في آلية إدارة التوتر.

في هذا السياق، يلفت الكاتب والمحلل السياسي بشارة شربل، في حديثه إلى LebTalks إلى أن "الجديد النوعي" لا يكمن في الكشف بحد ذاته، بل في منهجية التوثيق والتحقق التي باتت يعتبر حجر الزاوية في مقاربة ملف السلاح جنوب الليطاني.

هذا المسار، وفق شربل، هو مطلب فرنسي بالدرجة الأولى، وقد شدد عليه المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت، ناقلاً رسائل واضحة مفادها أن التحقق الميداني المنظم هو الوسيلة الأنجع لقطع الطريق على الذرائع الإسرائيلية التي تستخدم لتبرير التهديد بالعمل العسكري.

غير أن الأبعاد لا تقف عند حدود الجنوب، فبحسب شربل، يحمل هذا المسار في طياته التزاماً مبدئياً بالانتقال لاحقاً إلى شمال الليطاني، ما يعني أن المسألة لم تعد تقنية فحسب، بل باتت سياسية سيادية بامتياز، والهدف الأعمق، كما يوضح، هو بناء الثقة الدولية بالجيش اللبناني، وتظهير جديته وقدرته على إدارة هذا الملف الشائك، بما يسمح بتوجيه رسائل إيجابية إلى العواصم المعنية، ولا سيما قبيل أي تحريك جدي لمؤتمر باريس لدعم الجيش، سواء لناحية زيادة عديده أو تعزيز قدراته اللوجستية والتسليحية.

إلى جانب ذلك، يبرز تطور لافت في طريقة عمل لجنة "الميكانيزم" نفسها، إذ باتت تبلغ الجيش مباشرة بضرورة تفتيش مواقع محددة، بما فيها منازل سكنية، رغم الاعتراضات السياسية والشعبية التي ترافق هذا النوع من الإجراءات.

ويشير شربل إلى أن هذه الآلية مرشحة للاستمرار، بدليل ما جرى في تولين، حيث تبين أن النفق المُبلغ عنه كان موجوداً فعلاً، في عملية جرت تحت إشراف القوات الدولية العاملة في الجنوب، وبحضور الضابطين الأميركي والفرنسي المندوبين ضمن اللجنة الأمنية، ما يمنحها غطاء دولياً كاملاً ويحصن نتائجها سياسياً.

ولدى سؤالنا، هل يفتح هذا المسار نافذة نجاة للبنان من حرب واسعة؟ نظرياً نعم فالتوثيق والتحقق يوفران لإسرائيل ذريعة أقل للذهاب إلى تصعيد شامل، لكن عملياً، تبقى الصورة أكثر تعقيداً، كَوْن العقدة الأساسية، كما يقر شربل، تتمثل في الرفض القاطع للحزب تسليم سلاحه شمال الليطاني، وهنا تدخل البلاد في منطقة الاشتباك السياسي المفتوح، إذ يعتبر الحزب، على لسان أمينه العام نعيم قاسم، أن سلاحه "بمثابة الروح"، أي عنصر وجودي غير قابل للمساومة، ما يعني أن المسار يقترب من جدار مسدود.

مع ذلك، لا يُسقط شربل احتمال أن تفضي الضغوط الدولية، أو المساعي المصرية والتركية، أو حتى إرادة داخلية صلبة من السلطة اللبنانية، إلى إحداث خرق ما في هذا الجمود، ولو على قاعدة خطوات تدريجية.

وفي هذا الإطار، تعلق آمال إضافية على لجنة الميكانيزم بعد تطعيمها بالموفد المدني الجديد، السفير السابق سيمون كرم، في محاولة لإعطاء المسار طابعاً سياسياً تفاوضياً يقدم الحلول السلمية كخيار أول، قبل الانزلاق إلى بدائل عسكرية مدمرة.

ويخلص شربل إلى القول: يتقاطع المشهد اليوم عند مسارين متوازيين: مسار تفاوضي - تقني قد ينعكس، في حال تحقيق تقدم ملموس، تخفيفاً نسبياً في حدة الضربات الإسرائيلية، ولو جزئياً، ومسار ميداني لا يزال مفتوحاً على احتمالات التصعيد، خصوصاً في ظل الموقف الأميركي المعلن، كما عبر عنه السفير ميشال عيسى، بأن التفاوض منفصل عن الضربات.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: