هل يوجّه رئيس الجمهورية رسالة إلى مجلس النواب؟

majles-1-r9iksf02gxjgayssmjvi3u3fgrlc08ew4oc91nyom8

ما الذي يمنع رئيس الجمهورية جوزاف عون عن ممارسة صلاحية دستورية حاسمة؟

في لحظة سياسية ودستورية دقيقة، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي النيابي من منطقة الخطر، يتقدّم سؤال جوهري إلى واجهة النقاش العام: هل يُقدم رئيس الجمهورية على استخدام صلاحياته الدستورية ويوجّه رسالة إلى مجلس النواب لفرض انعقاد الجلسة التشريعية الخاصة بقانون الانتخاب؟ أم أن هذا الحق سيبقى، مرّة جديدة، معطّلاً تحت وطأة الحسابات السياسية؟

الدستور واضح في هذه النقطة. فرئيس الجمهورية ليس شاهدًا على التعطيل، بل هو المؤتمن على الدستور، وصاحب دور فعلي حين تتعرّض المهل الدستورية والحقوق السياسية للتهديد. المادة 49 من الدستور تُنيط برئيس الجمهورية مهمة السهر على احترام الدستور، فيما تعطيه الفقرة العاشرة من المادة 53 حق توجيه الرسائل إلى مجلس النواب، وهو حق لم يُمنح عبثًا بل ليُستخدم عند الضرورة، لا سيما عندما تتعطّل المؤسسات أو تُصادَر إرادة الأكثرية النيابية.

الأكثر من ذلك، فإن المادة 154 من النظام الداخلي لمجلس النواب تُلزم رئيس المجلس بدعوة الهيئة العامة إلى الانعقاد خلال ثلاثة أيام من تبلّغ رسالة رئيس الجمهورية. أي أن الرسالة الرئاسية ليست موقفًا معنويًا أو رمزيًا، بل أداة دستورية مُلزِمة قادرة على كسر التعطيل وإعادة تحريك المجلس النيابي.

اليوم، ومع تحويل مشروع قانون الانتخاب المعجّل المرسل من الحكومة إلى اللجان، خلافًا لطبيعته المستعجلة وخلافًا للمهل الداهمة، بات واضحًا أن الاستحقاق الانتخابي، ولا سيما حق المغتربين في الاقتراع، يُستخدم كورقة سياسية. هذا الواقع يضع رئيس الجمهورية أمام اختبار مباشر: إما ممارسة الصلاحية الدستورية، أو القبول الضمني بتكريس التعطيل.

فما الذي يمنع الرئيس من الإقدام على هذه الخطوة؟

البعض يطرح هاجس “التوازنات السياسية” أو الخشية من الصدام مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري. آخرون يتحدثون عن حسابات تتصل بموقع الرئاسة ودورها “التوافقي”. لكن السؤال الجوهري يبقى: هل يُطلب من رئيس الجمهورية أن يكون حَكَمًا صامتًا حين تُضرب المهل الدستورية؟ أم أن دوره الطبيعي هو التدخل عندما يصبح التعطيل خطرًا على جوهر النظام الديموقراطي؟

إن الامتناع عن استخدام هذه الصلاحية لا يُقرأ حيادًا، بل يُفهم كتنازل عملي عن أحد أهم أدوات حماية الدستور. وفي المقابل، فإن توجيه رسالة إلى مجلس النواب اليوم لا يشكّل تجاوزًا لأي سلطة، بل هو ممارسة دقيقة لما نصّ عليه الدستور حرفيًا، ويصبّ في حماية حق اللبنانيين، مقيمين ومغتربين، في إعادة إنتاج السلطة من دون قيود أو انتقاص.

من هنا، فإن السؤال لم يعد تقنيًا أو إجرائيًا، بل سياسي–دستوري بامتياز: هل يختار رئيس الجمهورية أن يسجّل موقفًا تاريخيًا في الدفاع عن الانتخابات وحقوق المغتربين؟ أم يفضّل انتظار تسوية قد تأتي بعد فوات الأوان؟

في لحظات كهذه، لا تُقاس الرئاسات بما تقوله، بل بما تفعله. والتاريخ اللبناني مليء بمحطات ضاعت فيها الفرص لأن من امتلك الصلاحية تردّد في استخدامها. اليوم، الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، والمسؤولية واضحة، والوقت يضيق.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: