أُعلن أخيرًا عن وقفٍ لإطلاق النار في السويداء، وتم الاتفاق على دخول مؤسسات الدولة الإدارية والأمنية إلى محافظة السويداء، وتسليم السلاح الثقيل والمتوسط من قبل البدو والدروز، ودمج الدروز في المستقبل السياسي، إلى جانب بنود أخرى تضمنها الاتفاق المذكور.
فالسؤال الذي يطرح نفسه: أَلم يكن بالإمكان تجنّب سفك الدماء، والتخريب، والتقاتل بين أهالي السويداء والعشائر منذ اليوم الأول للاحتكاكات؟ أَلم يكن الحل، منذ البداية، هو السماح لقوات السلطة الجديدة في دمشق بالدخول إلى السويداء وحقن الدماء ودرء الفتنة؟
لقد لعبت إسرائيل ورقتها جنوب سوريا، واستمالت قسمًا من الإخوة الدروز، وعلى رأسهم الشيخ حكمت الهجري.
لكن إسرائيل نفسها، ورئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، نسيا أو تجاهلا للحظة أن مقاتلة العشائر العربية تعني في الواقع أمرين:
مقاتلة ملايين الناس المسلّحة، الثرية، والمقاتلة، ما يفتح عليها أبواب جهنم لا تُحمد عقباها.
أن داخل إسرائيل نفسها توجد عشائر عربية تتضامن مع العشائر المقاتلة في السويداء...
والأهم أن اتخاذ الصراع منحًى طائفيًا ومذهبيًا مناهضًا للخط العربي ستكون له تداعياته في العالمين العربي والإسلامي، وبخاصة بين عشائر الدول العربية التي تُعدّ بعشرات الملايين، فضلًا عن الإجراءات الانتقامية التي يمكن أن تُتخذ ضد الإخوة الدروز المقيمين والعاملين في الخليج والعالم العربي.
إنها حسابات لم تُؤخذ في الحسبان.
طلبت تركيا، بالتوافق مع السعودية، من الرئيس أحمد الشرع مغادرة العاصمة واللجوء إلى مكان آمن ريثما تنتهي المعارك، ليبقى بمنأى عن التطاول الإسرائيلي على مراكز الدولة، وقد سحب الشرع قواته، تاركًا موازين القوى تحدد مستقبل الوضع في السويداء...
فإذا بالصراع يصل إلى حائط مسدود، ما أدى إلى تراجع الدروز التابعين للشيخ حكمت الهجري، وقبولهم بوقف إطلاق النار، وسائر البنود الأخرى.
في الحصيلة:
فلول بشار الأسد وأيتامه في الساحل السوري حاولوا قلب المشهد الجديد في سوريا، فتسبّبوا بمذابح مخجلة ومؤسفة، لكن محاولتهم فشلت.
وقسم من الدروز، كما تبين، حاول الاستقواء بإسرائيل لتثبيت إدارة ذاتية منفصلة عن دمشق، ففشلوا أيضًا، وعادت سلطة دمشق إلى السويداء بعد أن أدركت تل أبيب خطورة الاستمرار في دعمهم، بل وذهبت إلى حدّ تجاوز بعض الخطوط الحمر.
سبق لنا، وفي أكثر من مقال، أن تحدثنا عن وجود مشروعين في سوريا:
مشروع تقسيم وتفتيت تقوده إسرائيل، ومشروع توحيد تقوده قوى عربية وتركية لدعم السلطة الجديدة في سوريا.
فما حصل في السويداء، في نهاية المطاف، جاء ضمن هذا الصراع بين المشروعين. لكن هذا لا يعني أن صيغة النظام الجديد أو وجه سوريا القادم سيكون شبيهًا بالماضي، إذ إن بوادر الفيدرالية أو اللامركزية السياسية والإدارية الموسعة قد تكون، في نهاية المطاف، هي الصيغة الفضلى لضمان وحدة سوريا الفعلية، وطمأنة الأقليات القلقة على مصيرها...
لكن دون التخلي عن مظلة الدولة المركزية القوية، التي تنبع من إرادة أبناء سوريا، والقادرة على حمايتهم فعليًا، وضمان مستقبلهم.