كتب مركز رصد للدراسات الاستراتيجية والسياسية:
في ورقة بحثية له صدرت اليوم الجمعة، تناول مركز رصد للدراسات السياسية والاستراتيجية في العاصمة البريطانية الوضع الدقيق أمنياً في فلسطين على أثر التطورات الأمنية الحاصلة بالمنطقة بداية من تواصل الحرب الإسرائيلية على غزة ثم انتخاب ترامب والتصعيد في الكثير من المناطق بالضفة الغربية أيضاً.
الورقة قالت إن عدداً من هذه المناطق تشهد تزايداً في التوترات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مما يجعل الوضع يشبه إلى حد كبير الأوضاع التي سادت في قطاع غزة قبل أحداث السابع من أكتوبر، وقد اعتمدت الورقة في هذا الاستنتاج الأخير على بعض من الآراء التي نشرت وكتبت عبر منصات التواصل الاجتماعي قبيل عملية طوفان الأقصى، ومقارنتها بما يتم تداوله الآن عبر الكثير من المنصات الفلسطينية أيضاً.
عوامل مثل الاحتلال والتصعيد
وتسلط الورقة الضوء على العوامل الرئيسية التي أسهمت في تصعيد الأوضاع، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة وتنامي التوترات الاجتماعية والأمنية. كما تناقش الورقة دور حركة حماس المتزايد في الضفة الغربية، وتؤكد على التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية في محاولاتها للحفاظ على الاستقرار.
وتُظهر الورقة أن الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية تشهد تدهوراً ملحوظاً، حيث ارتفعت معدلات البطالة وتراجعت الفرص الاقتصادية، مما أدى إلى شعور بالإحباط لدى العديد من المواطنين. كما أن هناك نقصاً في البنية التحتية والخدمات الأساسية في بعض المناطق، مما يزيد من معاناة السكان ويعمق الفجوة الاجتماعية.
هذه الظروف الصعبة تساهم في تعزيز بيئة قد تكون خصبة لزيادة التطرف والعنف، حيث يجد العديد من الشباب أنفسهم من دون فرص عمل، مما يدفع البعض منهم إلى الانخراط في الجماعات المسلحة أو الأعمال العنيفة، مما يفاقم الوضع الأمني في المنطقة.
وتنتقل الورقة للحديث عن تصاعد دور حركة حماس في الضفة الغربية، وتزعم الورقة إن حركة حماس تستفيد من الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة لتعزيز وجودها في الضفة الغربية. من خلال استغلال الإحباط الشعبي، تعمل الحركة على توجيه هذا الإحباط ضد السلطة الفلسطينية، مما يزيد من الضغط على الحكومة الفلسطينية ويؤدي إلى تصاعد التوترات بين مختلف الأطراف.
وعلى الرغم من أن الحركة تروج لأجندتها السياسية من خلال حملات إعلامية تحث على مقاومة الاحتلال وتحدي السلطة، فإن هذا النشاط قد يؤدي إلى تصاعد التوترات الأمنية، بما في ذلك احتمال حدوث مواجهات بين مؤيدي حماس والأجهزة الأمنية الفلسطينية. إلا أن هذا الدور المتزايد لحركة حماس لا يعكس بالضرورة أن الحركة هي المسؤولة الوحيدة عن تفاقم الأوضاع، بل هو نتيجة لتركيبة معقدة من العوامل الداخلية والخارجية.
جهود السلطة الفلسطينية في منع انفجار الوضع
ورغم التحديات الكبيرة التي تواجهها، تبذل السلطة الفلسطينية جهوداً حثيثة للحفاظ على الاستقرار ومنع تفاقم الوضع. في هذا السياق، تسعى السلطة لتحسين الظروف الاقتصادية عبر التنسيق مع المنظمات الدولية والدول المانحة للحصول على الدعم المالي، وذلك بهدف تنفيذ مشاريع تنموية تساهم في خلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة. تشمل هذه المشاريع بناء المدارس والمستشفيات وتحسين الخدمات العامة التي تعد من أولويات السلطة.
بالإضافة إلى ذلك، تستمر السلطة في التنسيق الأمني مع الجانب الإسرائيلي، على الرغم من الانتقادات الداخلية لهذا التعاون. يُعتبر التنسيق الأمني جزءاً من استراتيجية السلطة للحفاظ على الأمن الداخلي ومنع انتشار الفوضى التي قد تهدد استقرار النظام. وتعمل الأجهزة الأمنية الفلسطينية على تعزيز حضورها في المناطق الحساسة وتكثيف عمليات المراقبة لضبط أي تحركات مشبوهة قد تؤدي إلى تصعيد المواجهات.
من جهة أخرى، تبذل السلطة الفلسطينية جهوداً لتقوية التواصل مع المجتمع المحلي، حيث تحرص على إقامة لقاءات شعبية مع المواطنين وتقديم تطمينات لهم، فضلاً عن إشراكهم في صنع القرار، بهدف خلق حالة من الاستقرار الاجتماعي وتقليل تأثير التحريض الإعلامي، خاصة من قبل حركة حماس.
التحديات التي تواجه السلطة الفلسطينية
على الرغم من هذه الجهود، تواجه السلطة الفلسطينية العديد من التحديات التي تعيق تحقيق الاستقرار الشامل في الضفة الغربية. من أبرز هذه التحديات هو تراجع الدعم المالي الدولي، حيث أصبحت الدول المانحة أقل استعداداً لتقديم المساعدات، لأسباب سياسية واقتصادية. كما أن الوضع الأمني يظل مهدداً من قبل جماعات مسلحة غير خاضعة لسلطة الدولة، مما يزيد من صعوبة ضبط الأوضاع في بعض المناطق. علاوة على ذلك، يواجه التنسيق الأمني مع إسرائيل انتقادات شديدة من مختلف فئات المجتمع الفلسطيني، مما يزيد من الضغط على السلطة.
الاستنتاجات والتوصيات
خلصت الورقة إلى أن الوضع في الضفة الغربية يقترب من نقطة حرجة، حيث تتفاقم التوترات الأمنية والاقتصادية بشكل قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع إذا لم يتم التعامل مع هذه التحديات بجدية أكبر. ومن أجل تجنب مزيد من التصعيد، توصي الورقة بضرورة تقديم دعم مالي وسياسي أكبر للسلطة الفلسطينية لتمكينها من تنفيذ مشاريع تنموية تهدف إلى تحسين الحياة الاقتصادية للمواطنين. كما تؤكد الورقة أهمية إيجاد حلول سياسية تعمل على تعزيز الأمن والاستقرار، فضلاً عن تحقيق توازن بين الحفاظ على الأمن وحقوق المواطنين.
تشدد الورقة أيضاً في نهايتها على ضرورة تقليل التحريض الإعلامي وتعزيز المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية المختلفة لضمان وحدة الصف الوطني وتجنب الانزلاق إلى الفوضى. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي والمجتمع الفلسطيني العمل بشكل جاد لمنع تدهور الوضع في الضفة الغربية إلى ما وصلت إليه الأمور في قطاع غزة، حيث يُعد الاستقرار السياسي والاقتصادي السبيل الوحيد لمنع التصعيد المستقبلي.