ورقة برّاك تُشعل بيروت: الرد على أميركا يفضح الصراع الخفي!

barrak

كتب شادي هيلانة: في بلد تتشابك فيه السلطات وتتنازع فيه الصلاحيات، لا تمرّ أي خطوة سياسية دون أن تثير أسئلة حول مرجعيتها ومشروعيتها. وقد شكّل الرد اللبناني على الورقة الأميركية التي نقلها الموفد الرئاسي توماس برّاك، شرارة جديدة أطلقت جدلاً دستورياً محموماً داخل الأوساط السياسية والقانونية في بيروت. فالسؤال لم يعد يقتصر على مضمون الرد، بل تعدّاه إلى الجهة التي تملك حق اتخاذ موقف رسمي باسم الدولة اللبنانية: هل هم الرؤساء الثلاثة؟ أم أن صلاحية القرار تعود حصرًا إلى مجلس الوزراء مجتمعًا؟

هذا الجدل لم يتأخر في الظهور، خصوصًا بعد تصريحات أركان سياسيين بارزين من أطياف مختلفة، عبّروا فيها عن مواقف متباينة، كاشفين عمق الانقسام الداخلي حول مفهوم الشرعية الدستورية والقرار السيادي.

رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور، اعتبر في حديث لموقع LebTalks أن تغييب مجلس الوزراء عن هذا الملف الحساس يُعد انتهاكًا صارخًا للدستور اللبناني، مؤكّدًا أن ذلك يصبّ في مصلحة الطرف الذي لا يريد للدولة أن تحتكر السلاح و ألّا تستعيد كامل سيادتها.

وأضاف أن وجود “القوات اللبنانية” في الحكومة يعيق محاولات تمرير اتفاقات غير معلنة، مشددًا على أن الحزب لن يساهم في تسهيل “تسويات مجانية” تمسّ بالقضايا السيادية. وفي معرض حديثه، اتهم “حزب الله” بالمراوغة ورفض وضع سلاحه تحت سلطة الدولة.

في المقابل، آثر أمين عام حزب “الكتائب اللبنانية” سيرج داغر في حديث لموقعنا، عدم الدخول في تفاصيل الرد اللبناني على الورقة الأميركية، معتبرًا أن مؤسسات الدولة تقوم بما يتوجب عليها، وربما أكثر، وهو ما فُهم على أنه تفويض ضمني للسلطة القائمة بمعالجة الملف وفق ما تراه مناسبًا.

أما كتلة “التنمية والتحرير”، فعبرت لـ”LebTalks” عن موقفها بلسان النائب قاسم هاشم، الذي شدد على أن الرد اللبناني يصون كرامة الدولة وسيادتها، انطلاقًا من وحدة الموقف الوطني حول النقاط الأساسية. وأكد ألا شيء يُفرض بالقوة في موضوع سلاح “حزب الله”، معتبرًا أن الحوار وحده قادر على معالجة القضايا الخلافية، بالاستناد إلى خطاب القسم والبيان الوزاري.

النائب بلال عبد الله، عن “الحزب التقدمي الاشتراكي”، أعرب أيضاً عن دعم حزبه الكامل للدولة ورموزها الدستوريين، مؤكدًا أن معالجة قضية السلاح وسواها من الملفات السيادية لا يمكن أن تتم إلا عبر المؤسسات الرسمية، بما يضمن حصر السلاح بيد القوى الأمنية الشرعية فقط.

رغم تباين المواقف، يبقى المشترك الوحيد بين الفرقاء هو الإقرار بأن البلاد تمرّ بمرحلة شديدة الحساسية، حيث يُطرح الدستور كمبدأ، لكنه كثيرًا ما يُستبدل بحسابات ظرفية أو توافقات مصلحية. والسؤال العالق اليوم لا يدور فقط حول الرد على ورقة برّاك، بل حول عمق أزمة الحوكمة في لبنان: هل يمكن الوثوق بالعملية الدستورية في ظل نظام سياسي يتّسم بالغموض والاجتهاد المستمر في تفسير النصوص؟

ما هو جلي حتى الآن، أن أي موقف رسمي لبناني لا يحظى بإجماع أو غطاء سياسي واسع، سيظل عرضة للطعن والمساءلة، ليس فقط من الداخل، بل أيضًا من قبل المجتمع الدولي. وفي الوقت الذي ينتظر فيه اللبنانيون الرد الأميركي، فإن الأنظار تتجه إلى ما هو أعمق: من يتخذ القرار في لبنان؟ وهل ما زال للدستور الكلمة الفصل، أم أن الكلمة باتت للسياسة والصفقات فوق الطاولة وتحتها؟

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: