كتبَ جورج أبو صعب – ألا نشمت لا يعني أن لا نحاسب، وألا نطعن بفريق لبناني لا يعني أن لا نحمّله مسؤولية أفعاله وقراراته، خصوصاً متى أدّت تلك القرارات والأفعال الى إلحاق الأضرار الكارثية بالوطن برمّته.
نسأل اليوم: ماذا بعد كل هذا الدمار والقتل والحريق الهائل المندلع في لبنان؟
أرادوها حرب إسنادٍ، فباتوا هم أول مَن يحتاج لدعمٍ وإسنادٍ، عجزوا عن حماية أنفسهم وقد إدعوا يوماً أنهم يحمون لبنان.
عجزوا عن إقامة توازن الرعب مع العدو الإسرائيلي، فها هي إسرائيل تسرحُ وتستبيحُ أجواء لبنان منذ بداية الحرب وتقصفُ وتدمّرُ وتغتالُ قياديات حزب الله من أعلى الهرم الى أسفله.
وماذا بعد؟ لبنان الذي توسّل صندوق النقد الدولي منذ سنوات للاستحصال على 3 مليار دولار بات اليوم بحاجة الى أكثر من 40 ملياراً لإعادة إعماره، فمَن يأتينا بهم؟
وماذا بعد؟ حزب الله سقطَ مع سقوط أمينه العام التاريخي حسن نصرالله، نعم سقطَ في التجربة، فالشعارات عجزت عن التحوّل الى حقائق فيما الحقيقة في مكان آخر: حزب الله الذي أراد تحدّي العدو الإسرائيلي فشلَ في منعه من تدمير الجنوب والضاحية والبقاع.
حزب الله الذي أراد مقارعة إسرائيل وتحدّى تل أبيب مقابل الضاحية، ها هو يشهدُ على تدمير الضاحية فيما تل أبيب لا تزال تضجُّ بالحركة والحياة الطبيعية، ولا يزال فيها أبنية وناطحات سحاب أقله.
وماذا بعد؟ لا تسويات ولا صفقات راهناً حول الوضع اللبناني لسبب وجيه جداً هو أن لا إسرائيل بنيامين نتنياهو التي تكبّدت ما تكبّدته من تضحياتّ على جبهتها الشمالية مستعدّةٌ للتوقّف عن الحرب إلا مقابل ضمانات وشروطٍ تضمن لتل أبيب عدم تكرار طوفان أقصى آخر من لبنان وضمان أمنها الشمالي، ولا حزب الله في وارد القبول بشروطٍ تعجيزية له من شأن القبول بها إنهاء دوره واستسلامه وهو ما يرفضه، ما يعني أن الحرب مستمرة وخصوصاً في خلال تلك الفترة من الانتخابات الرئاسية الأميركية وبالتالي أمامنا أسابيع صعبة جداً قبل أن تضع الحرب أوزارها بغالبٍ ومغلوب، ومَن يرسم خارطة لبنان والمنطقة سيكون المنتصِر على طاولة التفاوض والمساومة والتسويات.
فماذا بعد؟ ألم يفهم القادة في إيران لا بل القيّمين على حزب الله أنفسهم بأن القرار الدولي العربي بإنهاء أذرع إيران في المنطقة والمتَّخذ منذ أكثر من عام يُنفّذ على مراحل، وقد بدأ في غزّة مع ضرب حماس والجهاد الإسلامي (بالأمس أعلنت حماس القبول بأي صيغة تسوية) ثم انتقل الى حزب الله في لبنان وغداً سيصل الى التنفيذ في سوريا فاليمن، ونسألهم: أين الروسي الحليف المعلَن لمحور الممانعة؟ لا بل أين الصين؟ أين دول “البريكس” التي تتعاطف مع بعضها علنياً مع محور المقاومة؟
طبعا هم ليسوا متورّطين إنما متواطئون لإنهاء الأذرع الإيرانية في المنطقة لأنها باتت جميعها عالةً على المصالح الدولية وعلى المنطقة وعلى أنفسهم حتى.
فماذا بعد؟ العمليات البرّية الحاصلة حالياً والمرشّح استمرارها في الجنوب لأسابيع مع ما ستحمله من مزيد من التدمير والقتل والأرض المحروقة التي تمارسها إسرائيل من دون هوادة، ليست اجتياحاً ولا هجوماً برياً بل قضماً جغرافياً تقوم به القوات الإسرائيلية لعزل كل منطقة عن الأخرى وكل محور عن الآخر، فيما المقاومة التي إدّعت منع الإسرائيلي من الدخول الى لبنان باتت تقاتله في وطى الخيام ومرجعيون والعديسة ومزرعة سرادا ومركبا، وسواها من قرى ومدن دخلها الإسرائيلي، ولم تفلح صواريخ المقاومة وأسلحتها وقدراتها العسكرية من منعه، فالمقاوم الذي يحمي ظهره بأهله وناسه بات مكشوف الظهر إذ وراءه الدمار والموت والبيئة النازحة، والفراغ.
فماذا بعد؟ لبنان يطالبُ بتطبيق القرار 1701 ويعتبرُ الرئيس نبيه برّي أن القرار 1559 غير معني بالقرار 1701، فيما إسرائيل لم تعد ترى القرار 1701 وقد تجاوزه الزمن والأهم بالنسبة اليها القرار 1559، فيما ينسى الطرفان أن القرار 1701 مرتكزٌ على القرارين 1559 و1680 واتفاق الطائف أو وثيقة الوفاق الوطني، وبالتالي اذا أراد لبنان فعلاً تطبيق القرار 1701 عليه أن يبدأ أولاً بتطبيق القرار 1559 والاعتراف بأن هذا القرار هو جزءٌ لا يتجزأ من القرار 1701، واذا أراد الإسرائيلي تطبيق القرار 1559 فإن القرار 1701 يكمّلُ القرار 1559 ويفرضُ تنفيذه، لكن لا نية حقيقية لدى الطرفين بتنفيذ حرفي للقرار 1701 والقرار 1559 من ضمنه، وبالتالي فإن الميدان سيد الموقف لكن الى متى، وماذا بعد؟
في الردّ الإسرائيلي الأخير على إيران، تمَّ تدمير كافة الدفاعات الجوية الإيرانية وباتت السماء الإيرانية مكشوفة أمام الطيران الإسرائيلي في أي وقت واستباحة الأجواء الإيرانية مقدّمة لعملية عسكرية لاحقة.
فماذا بعد كل هذا؟ ألم يحن الوقت لحزب الله أن ينزل عن الشجرة ويعلن انكفاءه في مرحلة أولى الى ما وراء الليطاني قبل أن تتحوّل المطالبة الإسرائيلية الى الوزاني؟ ألم يحن الوقت بعد للتوقّف عن جرّ لبنان واللبنانيين نحو المزيد من الدمار والتدمير والقتل؟
لا نلوم العدو الذي يفتكُ بعدوه لكن نلوم الشريك في الوطن اللبناني الآخر الذي يُمعنُ ضرباً بشركائه وتدميراً للوطن، فماذا بعد؟
وكيف يمكن للبنان واللبنانيين أن يتحمّلوا المزيد من النتائج المدمّرة لحسابات حزب الله الخاطئة والتدميرية؟
المعركة مستمرة لأسابيع والاستهدافات الجوية مفتوحة على المزيد من الوقت الضائع خلال الأسابيع والأشهر ربما، فهي لن تتوقّف كلما شعرت إسرائيل بتهديد ما كما تفعل في سوريا، فماذا بعد؟
وعليه إما عودة حزب الله الفورية للوطن وتسليم سلاحه الى الدولة اللبنانية أو خروج نهائي للحزب من المعادلة اللبنانية.