كتبت لينا البيطار: منذ أن استلمَ حزب “العدالة والتنمية” مقاليد السلطة في تركيا في العام 2002، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى جاهداً الى كسب ودّ مذهب العلويين الأتراك الذين يشكّلون ثاني أكبر أقلية دينية في تركيا بعد أهل السنّة والجماعة بنسبة 10 في المئة، ورغم كل المحاولات لم ينجح أردوغان سوى في اجتذاب 30% من أصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لأن الجماعة العلوية لم ولا تحابي الحزب الحاكم رغم مبادرات الانفتاح لأنها تدرك أن الرئيس التركي إنما يسعى الى كسب ولائهم ومحاولة دمجهم في النسيج التركي كجزءٍ من استراتيجيته الأكبر لبناء تحالفٍ واسع لدعم حزبه الحاكم داخلياً، علماً أن غالبية العلويين تطلق على أقرانهم من الموالين للحزب الحاكم لقب “المنحطّين”.
علويو تركيا يعيشون ضمن نظام عَقدي وسلوكي خاص بهم في شبه عزلةٍ عن محيطهم السنّي الواسع، ولم تنجح المساعي لإنشاء هيئة مرتبطة بوزارة الثقافة التركية تحت مسمّى “رئاسة الثقافة العلوية البكداشية و”بيوت الجمع” معتبرين أن هذه الخطوة هي “تأميم” لهم وتسخيف لعقيدتهم العلوية على اعتبار أنه يُنظر اليها بهذه الطريقة على أنها مجرد ثقافة وفولكلور.
في الوقائع، يعيش علويو تركيا ضمن بنية فريدة تختلف عن الإسلام السنّي وهم يدمجون مذاهب مختلفة من الشيعة مع ممارسات دينية وصوفية، مؤكدين على روحانية معتقدهم وفرديته ورفض العقيدة والتسلسل الديني الصارم، ومتشبثين عبر التاريخ القديم والحديث بكيان كبير ومستقل في تركيا ومحتفظين بأوجه التقاء وافتراق مع العلويين في سوريا تحديداً.
ينسبُ العلويّون أنفسهم الى الإمام علي بن أبي طالب في حين أن التسمية التي لازمتهم هي “النصيرية” نسبةً الى أبي شعيب محمد بن نصير، وهم يؤلهون الإمام علي ويقرأون في كتب الدعوة (بويردك) الأربعة التي تتضمن ثلاث سنن وسبعة فروض هي الآمرة والناهية للشعائر العلوية، ويمتنعون عن إطلاع الآخرين عليها.
هم يؤمنون بعقيدة “التثليث” أو الأقانيم الثلاثة أي الحق والنبي محمد والإمام علي وكل واحد منهم يمكن أن يحلَّ مكان الآخر بمعنى أنه ثلاثي مقدس لا يتجزأ ويتجلّى على شكل نور أزلي كان موجوداً قبل الخليقة وبعدها وسيستمر الى الأبد، وبناءً على هذه العقيدة اعتبرهم المؤرخون أنهم بمثابة “مسيحيين منسيين” وأن لديهم عقائد نصرانية متغلغلة في سلوكهم الديني وأنهم يمزجون عقائد أخرى أيضاً مثل اليزيدية والتركية القديمة والفارسية، علماً بأنهم يؤدوا عبادتهم في غرفة كبيرة تسمّى “بيت الجمع” (Cemevi) وهم لا يبنون المساجد مفسرين ذلك بأنه لم يكن هناك مساجد في زمن النبي ولأن الإمام علي بن أبي طالب قُتل داخل مسجد.
أعياد علويي تركيا المهمة هي: النوروز وصيام محرم وصيام الخضر وخضر إلياس وعيد الاضحى ولقمة موسى الرحال، مع الإشارة الى أنهم لا يصومون شهر رمضان بل في شهر محرم حزناً على مقتل الإمام علي، وهم يشربون الخمر لا بل يصنعونه في منازلهم وتشتهر مناطقهم بزراعة الكرمة وصناعة الخمور.
تبقى الإشارة الى أن عدد العلويين الأتراك غير دقيق نظراً لانعدام وجود إحصاءات في الدولة العلمانية لكن الأرقام التقريبية تقدّر بأن عددهم يتراوح بين 5 و10 ملايين علوي.
سياسات تركيا ضد الأكراد أثرت على العلويين أنفسهم ما دفعهم الى اتخاذ موقفٍ عدائي من الدولة التركية التي عمدت الى قمع ثورات وانتفاضات العشائر من كلي الطرفين وفرض الأحكام العرفية، ما دفع بالمجموعة العلوية الى التخلّي عن فكرة تشكيل “ولاية كردية علوية مستقلة” ضمن الدولة والاتجاه نحو دولة كردية بكيان مستقل، فهل سيجد علويو تركيا مكاناً على خريطة الشرق الأوسط الجديد يحفظ تمييزهم ويجمعهم بالعلويين المقيمين على تخوم تركيا أي المناطق القريبة من سوريا وبشكل خاص في لواء الاسكندرون الذي يُعتبر امتداداً طبيعياً لهم ؟!