كما في كل عام، يستعيد "التيار الوطني الحر" ذكرى 13 تشرين على طريقته الخاصة، فيحوّلها من محطة للتأمل في دروس الحرب إلى مناسبة لفتح النار على "القوات اللبنانية"، محاولاً إعادة كتابة التاريخ على قياس روايته. وبينما يصرّ "التيار" على استحضار الماضي بخطاب التخوين والانقسام، تقرأ "القوات" هذا اليوم من زاوية أعمق، زاوية المسؤولية الوطنية، لا الحسابات الشعبوية.
أكثر من ثلاثة عقود مرّت على 13 تشرين 1990، اليوم الذي انطوت فيه صفحة الحرب اللبنانية، وسقطت آخر متاريس "حرب الإلغاء"، ودخل السوري إلى قصر بعبدا تحت أنظار اللبنانيين.
كثيرون يقرؤون 13 تشرين من زاوية واحدة، لكنّ الحقيقة أوسع من سرديّة "الانتصار والهزيمة"، فبينما كان العماد ميشال عون يخوض معركة خاسرة، اختارت القوات اللبنانية طريقاً مختلفاً، طريق إنهاء الحرب، وحماية ما تبقّى من المجتمع، والإيمان بأن خلاص لبنان لا يكون بمواجهة الداخل بالداخل، ولا بالانتحار العسكري أمام قوة إقليمية.
لم تكن القوات جزءاً من معركة 13 تشرين، ولم تفتح نيرانها لا مع السوريين ولا ضدّ الجيش، بل اختارت أن تكون في صف لبنان، لا في صفّ المعارك العبثية، وكانت تعرف أنّ ما يُرسم للبنان أكبر من بندقية، وأن الصمود الحقيقي ليس في قصر بعبدا، بل في ثبات فكرة الدولة والحرية.
فمن وقف في وجه المشروع السوري حين كانت الوصاية مطلقة؟ ومن قال "لا" يوم صمت الجميع؟ ومن دفع الثمن سجناً ونفياً وحظراً؟ إنّه سمير جعجع الذي سُجن أحد عشر عاماً، لأنّ "القوات" كانت الصوت الوحيد الممنوع في زمن الوصاية.
لكنّ المفارقة أنّ من كان يقدّم نفسه يومها "رمزاً للتحرير" تحوّل بعد سنوات إلى الحليف الأول للنظام نفسه الذي قصفه، وإلى الغطاء المسيحي لحزبٍ إيراني السلاح والقرار.
وفي ذكرى 13 تشرين، لا تحتاج "القوات" إلى إعادة تلميع روايتها، فهي لم تكن يوماً جزءاً من المعركة الخاسرة، لكنها بقيت وفيةً لمعركة أكبر، معركة البقاء في دولة لا تُدار من السفارات ولا تُستبدل فيها السيادة بالمصالح.
فهذه ليست ذكرى سقوط عون، بل سقوط القناع عن الذين جعلوا من "التحرير" سلّماً للسلطة، ومن "السيادة" عنواناً لصفقة، ومن ثم عادوا بعد النفي ليكونوا حلفاء لمن أسقطوه.
والتاريخ لا يرحم من يبدّل مبادئه كلّما تبدّل الحليف.