كتبت كريستيان الجميّل:
لطالما كان الاستقلال اللبناني يمثل رمزًا للحرية والسيادة الوطنية منذ عام 1943، لكن هذا الاستقلال ظل محاطاً بالتحديات والتعقيدات التي جعلت من الصعب على لبنان الحفاظ على سيادته الكاملة، لاسيما في ظل الوجود الفلسطيني الذي لحق بالاستقلال بعد 5 سنوات، والسوري الذي احتلّ لبنان 30 عاماً، واليوم الإيراني الذي هيمن على الدولة وقرارها منذ 2005 واشتدت قبضة ذراع إيران في لبنان “حزب الله” بعد عام 2016، لنصل اليوم الى ما نحن عليه.
عام 1948، استقبل لبنان الوجود الفلسطيني بعد النكبة، وسرعان ما تحول هذا الوجود إلى أزمة سياسية وعسكرية مع تفاقم الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، خصوصاً مع نشوء الفصائل المسلحة في السبعينات، الأمر الذي أدخل لبنان في حرب أهلية امتدت الى عام 1990، وشهدت الساحة اللبنانية صراعات دامية.
وكيف نتكلم عن استقلال في بلد عاش فيه الجيش السوري منذ عام 1976 حتى 2005، وما أدراكم ماذا فعل النظام السوري في لبنان. فهو دخل الى لبنان للحد من الحرب الأهلية التي بدأت في الـ75، ليتحول الى احتلال سياسي وعسكري مع هيمنة تامة على كل مفاصل الدولة وأجهزتها، لدرجة أن تحول المقر الرئيسي للقرار من بعبدا الى عنجر، وأصبحت “البيجو 404” تشكّل الحكومات في لبنان، ولا يمكن نسيان ما قاله حافظ الأسد في 76: “قالوا آنذك إتّه إذا لم تسارعوا في الانتصار فالطريق مفتوحة أمامهم.
سلاح أعطينا وذخائر أعطينا، كل هذا موجود هناك ومتراكم، فقرّرنا إذاً أنّه لا بدّ أن ندخل وننقذ المقاومة والدخول تحت عنوان جيش التحرير الفلسطينيّ”.
وأتى الاستقلال الثاني عام 2005، حين نجح تضامن اللبنانيين في ثورة الأرز بإخراج الجيش السوري من لبنان، ولكن تأثير سوريا السياسي والعسكري ظل حاضرًا، إذ لا تزال بعض القوى اللبنانية مرتبطة بنظام دمشق، وحتى يومنا هذا وتحديداً في الانتخابات النيابية عام 2022، فرض رئيس النظام السوري بشار الأسد بعض الأسماء على حلفائه في لبنان وها هم اليوم يسرحون ويمرحون في ساحة النجمة.
ناهيك عن الاغتيالات وأساليب القمع الذي عاشها لبنان في الفترة المرحلية بين 2005 و2006، شعر بعدها اللبنانيون بفترة من الإرتياح “الى حد ما”، ليظهر بعدها الاحتلال المبطن من إيران عبر أذرعها في المنطقة، والذي وصل الى أوجه بعد عام 2016، مع انتخاب حليف حزب الله الرئيس ميشال عون رئيساً للجمهورية، ليحكم حزب الله قبضته على البلد وعلى كل مفاصل الدولة ومرافقها العامة.
هذه الهيمنة الإيرانية عبر حزب الله تجعل الاستقلال مهدداً حيث تتقاطع مصالح إيران مع القوى المحلية والدولية، مما يؤثر على القرارات السيادية للبنان، ما أدخل لبنان اليوم في أتون حرب إسرائيلية دمرت البشر والحجر ولم تفرّق بين منطقة وأخرى، وبين طائفة وأخرى.
ظل حزب الله فترة طويلة يهدد إسرائيل في كل خطاباته ودخل بما سمي بحرب الإسناد لغزة ما رتب عليه خسارات كبيرة كان أبرزها تاريخ 27 أيلول 2024، لحظة اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصرالله، وما زالت إسرائيل تمعن في ضرب العمق اللبناني حتى مع تدخل العديد من الدول لوقف النار.
لذلك، في ظل هذه التحديات، يبقى الاستقلال اللبناني حلمًا بعيد المنال، على أمل أن يعيش اللبنانيون بعد هذه الحرب الاستقلال الثالث، ويعم السلام في بلد عاش كل أنواع الحروب والاضطهادات، وهو لم يرد أياً منها ولا يطلب سوى السلام والاستقرار.