كتبت صونيا رزق ـ 20 أيلول 2000 … تاريخ مجيد فتح دروب الاستقلال الثاني للبنان، عبر النداء الشهير الذي أطلقه المطارنة الموارنة في بكركي، فكان الصرخة المدوية في الداخل والخارج، التي لاقت تأييداً شعبياً كبيراً، فأطلقت الثورة السلمية بدعم كبير من البطريرك الماروني حينئذ نصرالله بطرس صفير، او بطريرك الاستقلال الذي عاش محطات مصيرية متأرجحة رافقت حياته النضالية من اجل لبنان.
هذه الحقبات تطلبت وجود شخصية تاريخية لتقف في وجه المحتلين، فكان الصوت الصارخ المدافع عن الحق ضد التسلّط والظلم . فإستمر في نضاله السلمي حتى حقق ما يصبو اليه كل لبناني، مؤمن بوطن حرّ سيّد مستقل.
تبع ذلك النداء تأسيس للقاء قرنة شهوان بدعم من الكنيسة، في نيسان من العام 2001. وبعد اشهر معدودة بات البطريرك صفير رمزاُ للنضال المقاوم، اذ حقق المصالحة التاريخية المسيحية – الدرزية في الجبل مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، في 3 آب من العام نفسه، فجال على القرى والبلدات التي تهجّر منها المسيحيون خلال الحرب، داعياً إياهم للعودة الى أرضهم وطيّ صفحة الماضي الأليم، وتكريس العيش المشترك قولاً وفعلاً مع الطوائف الأخرى.
لكن وبعد أيام معدودة تظاهر مئات الشباب المنتمين الى الاحزاب المسيحية المعارضة للوجود السوري، من “القوات اللبنانية” و”الكتائب” و”التيار الوطني الحر” و”الوطنيين الاحرار” مطالبين بالانسحاب السوري الكامل من لبنان. فكان الرد على المتظاهرين من قبل النظام الامني اللبناني – السوري حينها بالضرب والعصي والقمع والاعتقال في السجون، لإنهاء الحركة الثورية التي جرت في 7 و9 آب من ذلك العام، فعلت الاصوات المندّدة بما جرى، وبقي البطريرك صفير متسلحاً بالصمود وعدم التراجع مع كل المطالبين بهذا الحق.
ثلاثة عقود حوت كل انواع المآسي والموت والعذاب والتهجير والقصف والدمار والاغتيال والاحتلال، إضافة الى توجيه تهم مختلفة وإعتقالات للشباب اللبناني المعارض للسياسة السورية، على أثر إمعان الجيش السوري بكل انواع الاضطهاد بعد معركة 13 تشرين 1990، حيث انتشر في عدد كبير من المناطق اللبنانية، وفرض سلسلة معاهدات بالقوة على لبنان كانت لصالحه مئة في المئة. عندها لم يعد الاعتراض حكراً على المسيحيّين، اذ بدأت اغلبية الاصوات تطالب بتصحيح العلاقات اللبنانية – السورية، الى ان حصل الانفجار المدوي، وهو إغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14 شباط 2005. فتوّحدت اكثرية الاحزاب اللبنانية تحت لواء قوى 14 آذار، التي انتجت ثورة الارز وإنتفاضة الاستقلال من العام نفسه، وصولاً الى نهاية حقبة الاحتلال السوري، بحيث خرج في 26 نيسان ما يقارب الـ14 الف جندي سوري، بالإضافة الى عناصر استخباراتية. على أثر الضغط الاميركي والفرنسي على سوريا، الذي تكلّل مع كلمة موّحدة من قبل مليون ونصف مليون لبناني، طالبوا بإنهاء تلك الحقبة الأليمة مع كل ما ترافق من وصاية وتغلغل في مؤسسات الدولة، وتعييّن وإقالة من يريدون، وتجديد الولاية السياسية للمقرّبين والازلام، وصولاً الى الاعتقال والسجن وتلفيق التهم، والتاريخ شاهد على كل ما ذكرنا.
في الختام وبعد كل تلك السنوات التي لم يعش اللبنانيون خلالها فرحة الانتصار الحقيقي، تمّر الذكرى وفي القلب غصّة، لان فرحة التحرير لا تزال منتقصة، فالولاء لسوريا من قبل البعض ما زال حاضراً، كذلك تنفيذ الاجندات التي تخدمها وتضعف لبنان، فالاحتلالات تتوالى ولبنان يستمر على الجلجلة…