قد تكون مشهدية مقترعي قرى الحافة الأمامية وخاصة منها الشيعية المؤيدة للحزب والمحتفلة بانجازاته وانتصاراته مثل “عيد المقاومة والتحرير” في 25 أيار 2000, وحرب تموز 2006 وحرب الاسناد 2023-2024 في الانتخابات البلدية والاختيارية، جواباً ورداً على حقيقة صوابية ما درج عليه لبنان الرسمي والشعبي والحزبي على الاحتفال به منذ ربع قرن كعيد رسمي “تعطّل فيه المؤسسات العامة والخاصة” وتقام بمناسبته الاحتفالات والمهرجانات وتصدح من اجله الحناجر في الخطابات ومقدمات نشرات الاخبار ومانشيات الصحف والمواقع الالكترونية وأعني به “عيد المقاومة والتحرير”.
في واقع الحال الذي شاهده اللبنانيون عشية “العيد” المذكور، من انتخابات بيئة تلك المقاومة وامهات واباء وابناء أبطال ذاك التحرير، توقف الكثيرون امام الدمار الهائل الذي لم يجد طريقاً او سبيلاً لإزالته او اعادة ترميمه او إعماره لعلّة “عدم ايفاء لبنان بتعهداته” بالنسبة لـ”إزالة سلاح حزب الله” من جنوب وشمال الليطاني، كما توقف الكثيرون حتى من المقترعين المؤيدين للحزب امام النقاط الخمس المتمددة الى التسع في داخل الجنوب اللبناني التي احتلتها اسرائيل وما زالت أثناء تسطير المقاومة، بطلة تحرير العام 2000، لانتصاراتها في حرب الاسناد، توقف الكثيرون امام مشهدية مقترعي قرى الحافة الامامية المدمرة وهم يدلون بأصواتهم في اقلام النبطية لاستحالة “العثور” على متر مربع “معمّر غير مدمر” بفعل اسناد من رفع شعار “نحمي ونبني” برنامجاً لانتخاباته في العام 2022.
لم تكن “سوريالية” الانتصار المحققة هزيمةً مشهودة ومعاشة على الارض في 2025، عشية عيد المقاومة والتحرير الا نسخة غير منقحة عن سوريالية الانتصار المثيلة في تموز 2006 بعد ست سنوات فقط على “دحر العدو” وتحرير الأرض، اذ يشهد اللبنانيون على ان “رقعة” احتلال إسرائيل للأراضي اللبنانية توسعّت نتيجة حرب تموز من العام 2006، ولم تُنْهِ إسرائيل انسحابها من أراضٍ في الجنوب الا بعد ثلاثة أشهر، وتحديداً في 1 تشرين الأول من العام 2006.
كما شهد اللبنانيون على أن اسرائيل لم تنسحب من القسم الشمالي لبلدة الغجر والذي احتلته قواتها المعادية الغازية في حرب تموز.
اليوم في 25 أيار 2025 في اليوبيل الفضي لانتصار الحزب في تحرير العام 2000 وتكريسه لنفسه قوةً مقاومة كان لها الفضل الأول والوحيد في تحرير الارض والدفاع عن العرض، وفي محاكاة لانجاز المقاومة 2000 مع انجاز المقاومة في تموز 2006 وانجازها في 2025، نتوقف ويتوقف اللبنانيون ممانعون وعونيون وسياديون ومستقلّون عند ما كتبه الرئيس السابق ميشال عون بعد يومين على 25 أيار من العام 2000 في العدد 150 من “النشرة اللبنانية”، أي في 27 أيار، في مقاله بعنوان “متى التحرير؟: “اعتبرت الحكومة المزعومة الانسحاب فخاً أثار قلقها. بماذا تفتخر الدولة ومجتمعها المنافق بعد الانسحاب، وقد لجأ آلاف اللبنانيين الأبرياء إلى إسرائيل؟ لماذا خافت النساء وهربت الأمهات مع أطفالهن إلى المخيمات الإسرائيلية؟ أليس الذي حدث هو نتيجة خطابات بقر البطون في الأسرة؟ أن نعيّد لتحرير الجنوب شيء مبكر، لأنه انضم إلى وطن لا يزال فاقد السيادة. وعيد التحرير سيكون يوم جلاء جميع قوى الاحتلال عن أرضه، فيعود الاستقلال ومعه السيادة والحرية إلى ربوع الوطن”.
ليختم صادقاً بما يقول: “وإلى أن يحين العيد الحقيقي، نرفض الاشتراك بأعياد التخدير، ونترك نشوتها للمدمنين على المخدرات”.
كما يتوقف هؤلاء او وجب ان يتوقفوا عند ما قاله في 9 نيسان من العام 2002، وفي مقابلة على محطة الـ”mtv”،عن ذاك “الانتصار” الذي يحاكي انتصاري 2006 و2024: “كان هناك قرار دولي بانسحاب اسرائيل والمقاومة أطالت أمد الاحتلال”.
وعن التحرير الذي لم ينجز والذي نقوم اليوم بالاحتفاء بعيده يقول عون في 3 كانون الثاني من العام 2005 باتصال هاتفي مع كوادره في زغرتا: “إن الحزب اخترع قصة مزارع شبعا كي يُبقي على السلاح”.
ان اكثر محاكاة الى حد المطابقة بين 2000 و2025 عن جدوى وجود المقاومة وشرعية سلاحها ومشروعية حزبها والتي باتت تطرح اليوم بجدّية سرّاً وعلانية على لسان رئيسي الجمهورية والوزراء المجالس النيابية والوزارية وضغوطات الدول وموفديها العرب والدوليين، نقرأه في الصفحة 20 من كتاب الطريق الآخر، او ما سميّ بالكتاب البرتقالي، الذي طبع في أيار من العام 2005: “بعد الانسحاب الإسرائيلي، تلاشت مشروعية العمل المسلح للحزب، فخلق أزمة على الصعيدين الوطني والدولي. فهو يضع لبنان في مواجهة القانون الدولي من جهة ويهدد الوحدة الوطنية من جهة أخرى، بوصفه ينم عن احتكار للقرار الوطني من قبل طرف واحد.
وليست ذريعة مزارع شبعا بالبرهان المقنع في هذا الإطار، فهي لم تنجح بإخفاء النوايا السورية الكامنة خلفها، فأراضي شبعا هي سورية من وجهة القانون الدولي، وإذا ما أرادت سوريا التنازل عنها فعليها إبلاغ الحكومة اللبنانية رسمياً بذلك، لكي تبادر هذه الأخيرة الى إعادة ترسيم الحدود لدى الأمم المتحدة. إن الحرص على السيادة الوطنية ليس حكراً على طائفة واحدة ولا تجوز مناقشة مصير “الحزب” داخل العائلة اللبنانية على أساس الوحدة الوطنية في إطار المؤسسات”.
تطرح الأسئلة الجدلية التالية لضرورة البحث عن حقيقة العيد في العام 2025 اذا كان التحرير قد انجز ويستحق العيد فما هي جدوى المقاومة ولماذا الابقاء على السلاح، واذا كان التحرير لم ينجز حسب ما هو ظاهر ومعلن ومزعوم من مزارع شبعا، والقطاع الشمالي من الغجر والنقاط الخمس، وسلاح المقاومة ما زال ضرورياً وشرعياً فلماذا العيد امس واليوم وغداً.
يبقى السؤال الجدي المستجد، عن جدوى الاحتفال بـ”عيد المقاومة والتحرير” في العام 2025 بعد قراءة بنود اتفاق وقف اطلاق النار السيادية الالغائية لدور الحزب وسلاحه، فحتى انطلاقاً من قراءة الحزب الاستنسابية لاتفاق وقف اطلاق النار الذي وافق عليه في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024، وافق الحزب والتزم بإخراج “مسلحيه” و”سلاحه” من جنوب الليطاني بما يترجم اخراج “مقاومته” وانهاء مهمتها الدفاعية وطبعاً التحريرية لمزارع شبعا، وللنقاط الثلاثة عشر المتنازع عليها بعد ترسيم العام 2000 وشمال الغجر المحتلة في 2006 وطبعاً النقاط الخمس المحتلة مؤخراً وأخيراً، وما اصرار الحزب، في قراءته للاتفاق، على ابقاء سلاحه ومسلحيه شمال الليطاني بعيداً عن الميدان المقاوم لاسرائيل الا إبطالا للعيد في شقيه المقاوم والتحريري، وترويجاً لدور سلاحه في تغليب حزبه على معارضيه من كل الطوائف ولا سيما الطائفة الشيعية كما تبيّن لنا في الفرض القسري للوائح ولتزكية غالبيتها بالترهيب قبل الترغيب في الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظتي الجنوب والنبطية.