في زمن الأزمات المستدامة، كثر يتقوقعون في واقعهم الصعب فيضحي اليأس والإحباط والإنهزام آفاقهم.
يغرقون في “اللحظة” التي قد تدوم لسنوات وربما تطوي عمرهم. لكن عقارب التاريخ لا تتوقف ولكل “لحظة” نهاية، فما من شواذ يتواصل أو قمع يدوم أو ظلم يستمرّ مهما طال الزمن.
محطة 7 آب 2001 خير دليل على ذلك:
* بدأت بالزيارة التاريخية للبطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير في 3 و 4 و5 آب الى الجبل حيث عمد والزعيم الدرزي وليد جنبلاط الى تكريس مصالحة وطنية طوت صفحة دموية بين المكونين المسيحي والدرزي اللذين شكلا أساس قيام جبل لبنان التاريخي وعلّة خصوصيته في الزمن العثماني وما رافق هذه الزيارة من تضييق للأجهزة على الأرض مقابل التجرؤ على رفع صور سمير جعجع المعتقل وميشال عون المنفي وأعلام “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” وكذلك إطلاق صيحات سيادية مندّدة برئيس الجمهورية اميل لحود.
* في 7 آب تمّت مداهمة مقرّ مصلحة الطلاب في “القوات اللبنانية” ومركز “التيار الوطني الحر” وإقتياد عشرات الطلاب الى وزارة الدفاع وتوقيفهم لأسابيع في ظروف صعبة، بالتزامن مع إعتقال كوادر أساسية في صفوف الطرفين ومحاولة تركيب ملفات عمالة لإسرائيل.
* قمّة المشهد القمعي المقزز كانت في 9 آب أمام قصر العدل خلال الوقفة الإحتجاجية على التوقيفات حيث تم إنقضاض الأجهزة الأمنية على المشاركين السلميين بكعوب الرناجر وأعقاب البنادق تحت أنظار صور الرئيس إميل لحود التي إجتاحت كل الجدران في المكان.
يومها كان ثمة عمل ممنهج لترويج “الإحباط المسيحي” وتكريس الإستسلام للواقع القائم وتطبيق المنطق الإلغائي عبر تسويق “الإنصهار الوطني” على حساب “الشراكة الوطنية”. كثر شعروا ألا أفق في ظل الرضى الدولي على الرئيس السوري حافظ الأسد الذي لُزّم لبنان منذ العام 1990 بعدما نجح بدخوله عسكرياً منذ العام 1975. بعضهم إعتنق نظرية “حلف الاقليات” وسار بمركب حافظ الاسد وبعض آخر قال “لطوا” لأنه لا جدوى من النضال و7 آب لن ولم تُجدِ إلا الإزلال والمزيد من التنكيل والملاحقات.
هدف “7 آب” توجيه ضربة تأديبية رادعة لـ:
* أي تقارب درزي – مسيحي، وتالياً لأي تقارب بين المكونات اللبنانية، ما لم يمرّ بالبوريفاج وعنجر وينسجم مع مصالح سوريا ويلائم “عدّة شغل” النظام الامني اللبناني – السوري.
* توسيح إطار لقاء “قرنة شهوان” ومحاولات مدّه الجسور على المكونات الاخرى.
* النشاط العوني والقواتي – رغم حلّ حزب القوات وحظر اي تحرك له وإلزام الالاف من اعضائه على توقيع تعهد بعدم تعاطي السياسة – الذي أثبت أن إعتقال جعجع ونفي عون والتنكيل بقواعدهما الشعبية لم يجديا نفعاً.
إلا ان القمع تسبّب بردة فعل عكسية حيث كان هناك إلتفاف درزي – مسيحي حول المصالحة، فيما قرنة شهوان وسّعت مروحة إتصالاتها التي مهّدت للقاء “البريستول”. أما الطلاب ففعّلوا تحركاتهم عوض فرملتها فكانت لاحقاً رسالة دموية لردع “القوات” تمثلت بخطف وإغتيال المسؤول الطالبي في “القوات” و”دينامو” نقابة المهندسين فيها المهندس رمزي عيراني.
اليوم في العام 2024، يتكرّر تسويق سيناريو العام 2001 من قبل بعضهم:
* لا أفق في القريب العاجل للخروج من الأزمة.
* لا جدوى من رفع الصوت بوجه مصادرة “حزب الله” قرار الحرب والسلام – إذ ان دخول لبنان في الحرب يتطلّب قانوناً تصويت مجلس الوزراء بأكثرية ثلثين على ذلك – أو إنتقاد تفرّده بفتح جبهة الجنوب في 8 أكتوبر 2023. كما السوري يومها كذلك “الحزب” اليوم يمسك بمفاصل البلاد بعدما راكم أكثر من 40 عاماً من الخبرة ليس فقط العسكرية بل أيضاً السياسية والإدارية والإجتماعية، ولا مؤشرات جدية لتحجيمه بل عواصم القرار تفاوضه بالمباشر أو غير المباشر.
* المطلوب “الإنصهار” صفاً واحداً خلف التصدي لإسرائيل ولا فائدة اليوم من النقاش حول جدوى “وحدة الساحات” بالنسبة الى لبنان أو مسؤولية “الحزب” عن إقحامه في آتون الحرب إذ “لا صوت يعلو فوق صوت المدفع”.
* الأكثرية تؤيد “حزب الله” ومعارضوه الى تقلّص إذ إن “التيار الوطني الحر”، الذي رفض “وحدة الساحات” والتذرّع بأن فتح جبهة الجنوب خطوة إستباقية لعدوان إسرائيلي محتّم، ها هو يعلن انه يدعم “الحزب” في مواجهة العدوان الاسرائيلي. أما النائب السابق وليد جنبلاط الذي أصرّ سابقاً على رفع شعار الوسطية مع ميل واضح نحو المعارضة تمثّل بالتصويت للوزير جهاد أزعور، أعاد تموضعه فور قرع طبول الحرب الى جانب “حزب الله”. بلغ الأمر بجنبلاط حدّ إعلانه في ٣٠/٧/٢٠٢٤: “حزب الله هو مقاومة لبنانية على أرض لبنان” ضارباً بذلك جوهر “الحزب” وهويته وعمقه الأيديولوجي إذ إن “حزب الله” يصرّ على أنه “مقاومة إسلامية في لبنان”. فشتان ما بين هذا الأمر وبين أن يكون “مقاومة لبنانية”.
جميع هذه الحجج والخطابات التهويلية وحملات التخوين والنعت بالعمالة والصهيونية من أجل قمع أي صوت معارض لممارسات “حزب الله” عبر الإحراج أو التهويل تعود بنا الى العام 2001 حيث أكّدت الأيام ان المشهد الذي كان قائماً يومها لم يكن قابلاً للحياة بشكل مستدام.
فـ”7 آب” أثبت أن “العين تقاوم المخرز” وأن النضال السلمي يثمر، إذ كانت لاحقاً محطة “14 آذار” وجاء الإنسحاب السوري في 26 نيسان 2005 ليؤكّد انّ ما من “لحظة” تدوم. لذا، عدم الخضوع اليوم للتهويل و”التنمّر” والإستمرار بمواجه خطف الدولة وقرارها بسلمية لا بدّ أن يزهر ويطيح بـ”اللحظة”.