أحداث إسرائيل وغزة بين الواقع والخلفيات الجيو سياسية الصادمة

_118466298_blockafp

الوضع المتفجّر في غزة وغلافها يُنذر بأمر من إثنين :
الأول أن يذهب التصعيد حد اجتياح إسرائيلي للقطاع وأعمال عسكرية في غاية العنف والدموية، على اعتبار أن نتانياهو لم يعد لديه ما يخسره وهو المحاصَر بالتطرّف الإسرائيلي في حكومته من جهة، والمستفيد من التفاف كل إسرائيل بمَن فيهم معارضيه ومعارضي الحكومة حول حكومته وقيادته من جهة أخرى، بانتظار محاسبته وحكومته وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية التي فشلت فشلاً كبيراً في استكشاف مخطط فصائل غزة ضد أمن إسرائيل، لكن الآن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة والردّ العنيف والمزلزِل على غزة وفصائل الجهاد والقسام.

هل تتجه المساعي الإقليمية والدولية نحو التهدئة؟

أما الثاني فهو توجه المساعي الإقليمية والدولية نحو اللفلفة والتهدئة باعتبار أن ما حصل وسيحصل خلال اليومين المقبلين سيكون كافياً لتكريس معادلة “الستاتيكو” المتحكّمة بالوضع الفلسطيني بانتظار استحقاقات إقليمية ودولية، لكن مع تعديل في حسابات نتانياهو وحكومته تقضي في جزء منها بوقف عمليات الاستيطان واستفزاز العرب والفلسطينيين لا سيما في المسجد الأقصى والأماكن المقدسة.

التصعيد العسكري خدمةً لأجندة إيران وعرقلة التطبيع

هذان السيناريوهان أعلاه أو أي واحد منهما ليسا بحد ذاتهما الوحيدين المعبّرين عن الواقع الجيو سياسي لما يحصل وللأهداف المعلَنة وغير المعلَنة، إذ يمكن أن يكون ثمة ما تمت حياكته لتثمير ما يحصل ليس أقله ما يلي :

  • أولاً : إن التصعيد العسكري جاء ليخدم أجندة إيران في منع أو عرقلة أو تأخير التطبيع الإسرائيلي- السعودي المرتقَب، فمَن يتابع مواقف قادة وإعلام الفصائل الفلسطينية في غزة خلال الساعات القليلة الماضية وما حفلت به من انتقادات أو غمز من قناة ” المطبّعين ” أو ” الساعين الى التطبيع ” يدل بوضوح على أن المستفيد الأول في ما يجري في غزة هي إيران التي تعيش منذ أشهر هاجس التطبيع ونتائجه الكارثية على نفوذها، وورقة فلسطين التي تستثمرها كل مرة لشدّ عصب قسم من الفلسطينيين واستغلال نقمتهم وغضبهم من الدول العربية المطبِّعة أو الساعية للتطبيع، وهنا تُطرح إشكالية مشروعية آليات متابعة الحق الفلسطيني، وهي إشكالية قوامها أن العرب والخليجيين تحديداً والمملكة العربية السعودية بوجه الخصوص يؤيدون القضية الفلسطينية كقضية شعبٍ وأرضٍ، ويسعون لتطبيق خطة السلام العربية التي لا تزال عمود سياستهم الفقري ونظرتهم لحل القضية برمّتها، فيما إيران اختطفت ورقة المقاومة المسلحة للفلسطينيين لعرقلة ومنع تحقيق خطة السلام العربية، وبالتالي فإن العرب مع حل القضية الفلسطينية وفقاً لرؤية خطة السلام ولكنهم لا يؤيدون الآليات الإيرانية المعتمَدة في غزة، وفي استخدام الورقة الفلسطينية كحق إنما يُراد منه باطل.
    وهنا مكمن الإشكالية … فالعرب لا يوافقون على تفرّد إيران بورقة المقاومة وإنعاشها وإشعالها عند كل استحقاق أو مفترق بناديهم مصالحها هي على حساب الفلسطينيين، وليس مصالح الشعب الفلسطيني كقضية عادلة ومحقة، ومن هنا انقسام الرأي العام العربي والفلسطيني بين مَن يريد لغة السلاح كأداة لحل القضية الفلسطينية، وبين مَن يريد حلاً عادلاً سلمياً وسياسياً مع إسرائيل لانتزاع الورقة الفلسطينية من النفوذ الإيراني.
    إيران في مطلق الأحوال كما في سوريا كذلك في غزة، توصل إيفاد الرسائل الإقليمية للجميع حول أن مصالحها يجب أن تُراعى، ولا تسمح لأحد أن يفقد فوق تلك المصالح دون المرور عبرها.

اليمين الإسرائيلي المتطرّف بشدّ بعجلة التطبيع الى الوراء

-ثانياً : إن التصعيد يحقق لبنيامين ناتانياهو إنفراجة سياسية موقتة خصوصاً بعد أن وصل الى وضع محرِج مع السعوديين في سعيه للتطبيع، بعدما إشترطت الرياض عليه حل القضية الفلسطينية، فيما اليمين الإسرائيلي المتطرّف يشدّ بعجلة التطبيع الى الوراء ويضغط على نتانياهو من أجل إيقاف السير في هذا التطبيع.
وفي هذا السياق، نشير الى أن ما جرى ويجري في غزة حشدَ الرأي العام الإسرائيلي والجيش الى جانب حكومة نتانياهو، وأنسى الجميع خلافاتهم مع هذا الرجل و الحكومة، نظراً لما يمكن أن يُعتبر تأثير ما يجري من شأنه شدّ عصب التطرّف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، واستتباع ذلك إما المزيد من السعي الى تسريع خطى التطبيع بدل إيقافها أو تجميدها لمنع انتصار التطرّف في إسرائيل، وقطعاً للطريق أمام استفحال الصِدامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإما تكريس عجز نتانياهو في إيصال إسرائيل الى “شاطىء التطبيع” لتعثّر ضبطه اليمين المتطرّف، وعندها يمكن أن تُطرح تشكيلة حكومية جديدة تضم المعارضة الى حكومته بحجة الحاجة لحكومة وحدة وطنية لمواجهة المرحلة المصيرية التي تعيشها إسرائيل.

البيت الأبيض متيقّن لخطورة أحداث غزة

  • ثالثاً : تصاريح واشنطن خلال الساعات الماضية مواكبة للوضع المتفجّر في غزة ومناطق الغلاف، ولا سيما تصريح الرئيس جو بايدن الذي قال إن واشنطن لن تسمح لأي طرف خارجي استغلال ما يجري في إسرائيل لإضعافها، كلها مواقف توحي بأن البيت الأبيض متيقّن جداً خطورة أن تكون أحداث غزة والهجمات الفلسطينية النوعية والمباغِتة والمفاجِئة على مناطق ومستوطنات إسرائيلية هو تمهيد لتحريك أجندات إقليمية وإيرانية، تحديداً لضرب الاستقرار والأمن الإسرائيليَين باعتبار أن أمن إسرائيل، أهم وأبرز حليف لواشنطن، هو جزء من الأمن القومي الإميركي في المنطقة والعالم.
    من هنا، يمكن توقّع اذا ما تفاقمت الأمور في غزة وضواحيها وأخذت بالاتساع بشكل خطير يُنذر بمخاطر كبرى على أمن إسرائيل واستقرارها أن تذهب واشنطن إما للتلويح بالتدخّل المباشر لصالح تل أبيب، وإما بإرسال أسطول بحري الى شواطىء إسرائيل كتحذير قوي لإيران من مغبّة اللعب بالنار مع إسرائيل.
    مهما يكن من أمر فإن المؤكد هو أن الوضع المتفجّر في غزة وإسرائيل تحت المتابعة الشديدة والدقيقة والحثيثة من قبل عواصم القرار الإقليمي والدولي كافة، لاسيما وأن تزامن التصعيد العسكري في شمال سوريا مع التصعيد في غزة غداة خسارة إيران الورقة الفلسطينية في لبنان بعد أحداث عين الحلوة يحمل على الاعتقاد بأن الآتي من الأيام سيكون حافلاً بالكباش الإقليمي والدولي على الساحة الفلسطينية، لاسيما وأن ثمة بوادر ومؤشرات عن وجود انقسام فلسطيني- غزاوي داخلي بين الشق السياسي الذي يمثّله إسماعيل هنية وخالد مشعل، والشق العسكري الممثَّل بكتائب القسّام والجهاد الإسلامي بزعامة يحيى السنوار ومحمد الضيف الموجودَين داخل غزة، فيما هنية موجود في الضاحية الجنوبية في بيروت وقد فوجىء كما فوجىء أي مواطن فلسطيني عادي باندلاع الهجوم الفلسطيني المباغت على إسرائيل بدل أن يكون في قلب غزة .

حزب الله غير معني في التورّط بما يجري في غزة

الأكيد حتى الآن هو أن حزب الله غير معني بالتورّط في ما يجري في غزة، كما أن فلسطينيي الضفة والداخل الإسرائيلي لم يتحركوا الى الآن، حتى إيران ليست في وارد البوح بدعمها لِما يجري مع أنها المحرّضة والداعمة لفصائل غزة المحسوبة عليها .
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتانياهو أمام مفاضلة إزاء ما يجري راهناً بين التطبيع أو تعويم نفسه داخلياً من خلال ورقة حرب غزة على إسرائيل وشدّ الشعب والجيش الى صفه، ما سيسمح له بالقيام بهجوم مدمّر على غزة على قاعدة أن لا شيء لديه ليخسره، وأن القضاء على المقاومة في غزة قد يصبّ في مكان ما لصالح التطبيع بعد انتزاع الشوكة الإيرانية المتطرّفة والتي لا يراها حتى العرب بعين الرضى والقبول والدعم كما سبق وشرحنا أعلاه،
فهل تخدم أحداث غزة الحالية بهذا المعنى نتانياهو المأزوم والعرب الساعين للتطبيع ؟ أم ان هذه الأحداث تحرّره من الضغط الإميركي لإلزامه بحل الدولتين ومن الضغط السعودي حول شروط التطبيع ؟

هل إختلق نتنياهو ذريعة لضرب الجناح الفلسطيني الأكثر تشدّداً ؟

يبقى سيناريو لم نذكره وقد يكون أيضاً ممكناً انطلاقاً من ما إعتُبر تقصيراً إستخباراتياً إسرائيلياً فاضحاً في توقّع الهجوم الغزاوي على المستوطنات بأن تكون خطة مقصودة من نتانياهو وحكومته لاختلاق ذريعة لضرب الجناح الفلسطيني الأكثر تشدّداً والاأكثر اعتراضاً على التطبيع والمتواجد في غزة، وذلك لإشهار المظلومية والاضطهاد الفلسطيني لإسرائيل وشعبها والمناداة بالتهديد المصيري لإسرائيل لحشد الدعم الدولي، تمهيداً لتغطية ما يمكن أن يرتكبه نتانياهو في غزة وطي صفحة الاعتراضات والمعارضات الداخلية له ولحكومته، ولتبرير رفضه حل الدولتين والشرط السعودي للتطبيع.

فترة انتظار لتفكيك ألغاز ما جرى

يبقى أن ننتظر لنرى كيفية تفكيك الألغاز التي تحيط بالحرب في إسرائيل ولمراقبة الطريقة التي يُقدِم من خلالها بنيامين نتانياهو وحكومته المتطرّفة على استخدام أوراق ما تقدّمه له غزة، والتي قد تتجاوز كل الحسابات وصولاً الى استغلال ما يجري لضرب إيران بحجة وقوفها وراء إعلان غزة الحرب على إسرائيل وتيار التطرّف اليميني.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: