إختبار رئاسة مجلس النواب الأميركي لتثبيت قوة "الترامبية" الجمهورية

435097Image1

مع توصّل مجلس النواب الأميركي الى اختيار كيفن ماكارثي رئيساً بعد أكثر من 15 دورة وأربعة أيام قسّمت الحزب الجمهوري بين صقور وحمائم، وأظهرت بالنهاية قدرة الصقور على تفشيل الحمائم وفرض إرادتها عليها وفق شروطها المتشدّدة، افتُتحت مرحلة جديدة من الحياة السياسية في الولايات المتحدة لن تكون معبّدة بالزهور، لا أمام ماكارثي ولا أمام البيت الأبيض والديمقراطيين.

مسارعة الرئيس جو بايدن الى دعوته للتعاون مع إدارته بحسّ المسؤولية ولمصلحة الأميركيين، أبرزت قلق الديمقراطيين من مآل الحياة البرلمانية في ظل كونغرسٍ منقسمٍ بين مجلس للشيوخ ذي أكثرية ديمقراطية ومجلس للنواب سيطرَ عليه ظل الرئيس السابق دونالد ترامب، ما يشي بمرحلة صعبة وقاسية من التعاملات بين المجلسين، وبينهما وبين البيت الأبيض ومركز القرار الأميركي للدولة العميقة.

ما قاساه مجلس النواب الأميركي في خلال الأسابيع القليلة الماضية أظهر بوضوح المواجهة المنتظرَة على طول خط التماس السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين في ظل تأثير " ترامبي " كبير على حياة مجلس النواب للسنتين المقبلتين، بحيث لن يكون من السهل أبداً على الإدارة الديمقراطية تمرير ما تشاؤه من تشريعات وميزانيات وسياسات ما لم تحظَ بموافقة مجلس النواب الواقف على نقيض الديمقراطية "الأوبامية".

إن حالة الانسداد التي عاشها مجلس النواب الأميركي طوال أيام والتي تعذر معها التوصّل بين الجمهوريين على التوافق على رجل يمثّلهم في رئاسة المجلس، في ظاهرة قلّ نظيرها في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ( في العام 1856 استغرق أمر انتخاب رئيس مجلس النواب الأميركي 62 يوماً و133 جولة انتخابية) تنمّ عن تغيّر شيء ما جذرياً في حياة الولايات المتحدة الأميركية السياسية وأعرافها الوطنية، وهذا التغيّر الكبير مرشح لأن يطال ليس فقط أنماط عمل المؤسسات في البلاد بل وأيضاً مجمل المعادلات الداخلية التي كانت تتحكّم بضوابط علاقات القوة وتوازناتها.

كيفن ماكارثي انتُخب أخيراً رئيساً جمهورياً لمجلس النواب الأميركي لكن من دون تفويضٍ على بياض من حزبه، إذ انه اضطُر لاعتلاء منبر الرئاسة البرلمانية الى تقديم سلسلة من التنازلات التي أرضت الجناح الجمهوري المتطرّف، والذي يدعمه الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اضطُر للتدخّل في ربع الساعة الأخيرة لإقناع أتباعه ومؤيديه من النواب بالتصويت لمكارثي، ومَن يعرف الرئيس ترامب وحنكته السياسية يعرف أن هذا التأييد لم يكن وليد الساعة بل نتاج مفاوضات كانت تدور على مدار الساعات المتواصلة، وقد تخلّلها شروط وفرض التزامات تجعل من مكارثي مجرد رئيسٍ يرأس ولا يحكم.

انتخاب مكارثي ب 216 صوتاً فقط في مقابل 212 صوتاً لمنافسه الديمقراطي حكيم جيفري في الدورة الخامسة عشرة أي بنسبة متواضعة تكفي لإعلانه رئيساً لا يمكن اعتباره نجاحاً شخصياً له ولا للفريق الذي كان يقود حملته من داخل حزبه.
مكارثي أمضى ساعات عصيبة قبل تولّيته رئاسة المجلس، فهو قد عاش التوترات الكبيرة داخل الحزب الجمهوري وكاد أن يُنتخب في الدورة الرابعة عشر لولا معارضة شرسة واجهها من زميله الجمهوري مات غايتث نائب فلوريدا، وقد بلغ التوتر حد المواجهات المباشرة بين النواب الجمهوريين ولا سيما بين غايتث ومايك روجرز النائب عن الاباما، وقد اقتربا من العراك الجسدي بينهما لولا تدخّل زملائهم.
على الأثر، اتصل الرئيس السابق دونالد ترامب بالنائب غايتث ودعاه للهدوء وللتصويت لمكارثي حتى هدأت العاصفة وتصاعدَ الدخان الأبيض.

هم 20 نائباً من صقور الحزب الجمهوري أُطلقت عليهم تسمية " الطالبان العشرين " نظراً لتطرّفهم، وهم في معظمهم أعضاء في حركة ( فريدوم كوكوس ) Freedom Caucus وقد تمكّنوا من فرض إرادتهم على زملائهم الجمهوريين في سابقةٍ لم تُسجل منذ القرن التاسع عشر، تعبيراً عن عمق الانقسامات داخل الجمهوريين.

منذ يوم الخميس الفائت، قَبِل مكارثي بالشروط كافة التي أسست لانتخابه، وبخاصة تغيير آليات محاسبة وإقالة رئيس المجلس ليُسمح لنائب واحد بالدعوة لسحب الثقة من رئيسه،
كذلك وافق مكارثي على أن يشغل عدد كبير من الفريدوم كوكوس إحدى أكبر وأهم لجان المجلس ألا وهي "لجنة نظام المجلس" التي تحدّد آليات كيف ومتى تُعرض مشاريع القوانين للتصويت.
كذلك وافق مكارثي على التصويت على مشاريع قوانين ذات أولوية هامة لهم وبخاصة اقتراح تحديد مدة ولاية المجلس وخطة أمنية للحدود.

كيفن مكارثي الذي يتّهمه عدد من زملائه في الحزب الجمهوري بكونه مفرط في الديبلوماسية والليونة تجاه الخصوم الديمقراطيين، تنازلَ عن قسمٍ كبير من صلاحياته وسلطته لقلة من زملائه الذين ينتهجون التطرّف الجمهوري، ما يعني أن مجلس النواب بات فعلياً تحت قبضة هذه القلة التي يسيطر عليها الرئيس السابق دونالد ترامب وتشكل مؤشراً قوياً وردّاً أقوى على الديمقراطيين والبيت الأبيض، الذين يحاولون بشتى الوسائل إخماد دوره السياسي وإضعاف تأثيراته على الحياة السياسية والمؤسساتية الأميركية.

ولغريب الصدف، فقد تمّ انتخاب مكارثي رئيساً لمجلس النواب في السادس من كانون الثاني أي بعد سنتين بالتمام والكمال على اقتحام مناصري الرئيس ترامب مبنى الكابيتول في نفس التاريخ.
يومها وقف مكارثي منتقداً تصرفات الرئيس ترامب إلا أنه لم يلبث بعد بضعة أسابيع أن أدّى له الطاعة في زيارته لمقره في مار الاغو.

التصويت على رفع سقف الدين العام لتجنّب إعسار الإدارة الفدرالية وتوقفها عن الدفع في الأشهر المقبلة والتصويت على ميزانية المساعدات لأوكرانيا كلها تحديات من بين أخرى ستشكّل مطبّات خطيرة ومحطات اختبار لمدى صلابة وحدة الجمهوريين.

المصدر:  

لمتابعة الأخبار والأحداث عبر مجموعاتنا على واتساب: